الثقافية – بريدة
في ليلةٍ تعبقُ بعبير التاريخ، وتتلألأ فيها أنوارُ الحاضر، شهدت منطقة القصيم أمسيةً وطنيةً مهيبة، احتفى فيها الفكرُ بالتاريخ، والتوثيقُ بالرواية، وذلك خلال تدشين سموّ أمير منطقة القصيم الأمير فيصل بن مشعل بن سعود بن عبدالعزيز. وسموّ نائبه الكريم لمشروعي «التاريخ الشفوي» و*«تاريخنا – قصة»*، اللذين أطلقهما مركز القصيم التاريخي بالتعاون مع دارة الملك عبدالعزيز، في قصر التوحيد ببريدة وحضور نخبةٍ من المسؤولين والمثقفين ورجال الفكر والإعلام، في مشهدٍ يعكس عمق الوعي الوطني بأهمية حفظ الذاكرة وصون الحكاية السعودية.
ثمَّن سموّ الأمير خلال كلمته في الحفل ما تحظى به دارة الملك عبدالعزيز من رعايةٍ ودعمٍ كريم من القيادة الرشيدة – أيدها الله – مؤكّدًا أنّ خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز هو عرّاب التاريخ السعودي وحاميه، مشيرًا إلى أنّ ما تحقق للدارة من توسّعٍ في البرامج والمشروعات يُجسّد رؤية المملكة في صون الذاكرة الوطنية وتوثيق إرثها المشرق.
وفي سياق الأمسية، قدّم الكاتب والروائي أحمد السماري عرضًا مرئيًا بعنوان «فيلق الإبل»، كنموذجٍ تطبيقي من مشروع «تاريخنا – قصة»، تناول فيه مرحلةً تاريخيةً خصبةً من مسيرة العقيلات ورحلاتهم التجارية بين نجد والعراق والشام ومصر وغيرها ، مسلطًا الضوء على مشاركة ثمانية عشر سعوديًا في الحرب الوطنية الأمريكية قبل أكثر من قرنٍ ونصف، في تجربةٍ فريدةٍ تُجسّد جسارة الإنسان النجدي وروحه المغامرة في عبور الجغرافيا والتاريخ معًا.
وأوضح السماري أن الرواية تُعيد إحياء الروابط التاريخية السعودية – الأمريكية من خلال تجربة فيلق الإبل التي مثّلت أول اتصالٍ حضاري وإنساني بين الجزيرة العربية والولايات المتحدة الأمريكية، حين تعاقد الجيش الأمريكي عام 1861م مع ثمانية عشر من الجمالة السعوديين المهرة للمساهمة في حرب الوحدة الأمريكية (1861–1865)، في خطوةٍ أرست جسرًا إنسانيًا وثقافيًا مبكرًا سبق التحالفات الحديثة بين الرياض وواشنطن بأكثر من قرنٍ ونصف.
اختُتم الحفل بأجواءٍ من الاعتزاز والامتنان، وقد غمر الحضورَ إحساسٌ عميقٌ بالفخر، إذ جسّد الحدث تلاحم الكلمة مع التاريخ، والرواية مع الهوية، والوطن مع رؤيته الطموحة التي تصوغ من الماضي مجدًا، ومن الحاضر وعيًا، ومن المستقبل امتدادًا نبيلاً لمسيرته الحضارية.