تتميز محافظة العُلا بأجواء مناخية وحياة اجتماعية فريدة.. فبين البيوت الطينية والمتلاصقة يشعر أهاليها بالدفء في فصل الشتاء، وتزداد روابطهم الاجتماعية.. وفي فصل الصيف توفر المزارع والنخيل والعيون المائية أجواء معتدلة ونسمات لطيفة، وتنتعش الأسواق التجارية، وتعمر المجالس العامة.
فالمحافظة تتقلب في دورة موسمية فريدة، تعكس انسجام الإنسان مع بيئته الطبيعية.. وكان السكان قديما يتنقّلون بين البلدة القديمة والمزارع المحيطة بها، في نمط معيشي يتكيّف مع فصول السنة، ويُجسد فهما عميقًا لطبيعة المكان وتحدياته.
ففي فصل الشتاء، كانت الحياة في العلا تتركّز داخل البلدة القديمة التي بُنيت من الطين والحجارة، وتتميز بأزقتها الضيقة ومبانيها المتلاصقة التي توفر الدفء والحماية من برودة الأجواء، إلى جانب احتضانها الأنشطة التجارية والأسواق والمجالس العامة، لتُشكّل بذلك قلبًا نابضًا للحياة الاجتماعية والثقافية.
وفي فصل الصيف كان الأهالي يغادرون البلدة باتجاه المزارع الممتدة في أطراف الواحة، حيث تُوفّر كثافة النخيل والعيون المائية بيئة ملائمة للسكن والعمل الزراعي. وقد اعتمد السكان على “مساكن النخيل” التي شُيّدت بمواد طبيعية كجذوع وسعف النخل، لتكون ملاذًا موسميًا يحقق الراحة ويُعزز استدامة الإنتاج الزراعي.
وتُظهر هذه الدورة السنوية انسجامًا دقيقًا بين الوظائف المناخية للمكان ومتطلبات المعيشة، إذ كانت البلدة تؤدي دورها الاجتماعي والاقتصادي في الشتاء، فيما تؤدي المزارع دورها الغذائي والبيئي في الصيف، ضمن إطار تكاملي يحافظ على توازن الحياة في الواحة عبر الأجيال.
ويُعد هذا النمط المعيشي دليلاً على البراعة الفطرية لأهالي العُلا في استثمار مواردهم المحلية، وإدارتها بما يتواءم مع إيقاع الطبيعة، في تجربة حياتية لا تزال شواهدها حاضرة في تفاصيل المكان حتى يومنا هذا.