نواجه اليوم مفهومًا جديدًا للأمية، فـ”الأمي” في هذا العصر ليس من لا يقرأ أو يكتب، بل من لا يفهم لغة هذا العصر، ولا يفهم كيف تفكر الخوارزميات، ولا يعرف كيف يتحدث إلى الذكاء الاصطناعي. والمملكة بطموحها المعروف تدرك هذه الحقيقة جيدًا؛ ولهذا لم يكن غريبًا أن تُعلن وزارة التعليم السعودية إدراج منهج الذكاء الاصطناعي في جميع مراحل التعليم العام، كجزء من هوية الجيل القادم، وخطوة جريئة ومُلهمة، تمنح الطفل أدوات السيادة في مستقبله.
هذا القرار هو امتداد لفكرٍ استراتيجي عميق، تقوده رؤية السعودية 2030، تلك الرؤية التي جعلت التحول الرقمي والتعليم النوعي من أعمدة البناء الوطني، إيمانًا بأن الاستثمار في العقول هو أعظم استثمار على الإطلاق.
ولعل هذا ما أكدت عليه اليونسكو في تقريرها عام 2023 بعنوان “Digital Literacy in the AI Era”: إن الأمية في القرن الحادي والعشرين أصبحت مرتبطة بعدم فهم التقنية، وليس بعدم القراءة. كما أثبتت تقارير عالمية – كتقرير المنتدى الاقتصادي العالمي 2024 – أن 65% من أطفال اليوم سيشغلون وظائف لم تُبتكر بعد، وغالبيتها ترتبط بالذكاء الاصطناعي.
وفي المملكة تسير هذه المبادرات التعليمية بالتوازي مع الاستراتيجية الوطنية للبيانات والذكاء الاصطناعي (NSDAI)، التي تهدف لجعلها من بين أكثر 15 دولة تقدمًا في الذكاء الاصطناعي بحلول عام 2030، إنها رؤية تتكامل فيها السياسة التعليمية مع الطموح الوطني، ويتم فيها استبدال التلقين بالتمكين، والحفظ بالفهم، والمعلومة بالمهارة
ما تصنعه المملكة اليوم، بتوجيه حكومي وقرارات جريئة، هو بناء دولة تؤمن بأن المستقبل لا يُنتظر.. بل يُدرّس، وأن طفل اليوم هو شريك في صناعة الغد، ضمن وطن يقوده طموح، وترعاه قيادة، جعلت من الإنسان جوهر التنمية، ومن الذكاء الاصطناعي أداة للنهوض.
