قبل ربع قرن، واكبت صحيفة الجزيرة وغطّت أمسية ثقافية احتضنتها مكتبة الملك فهد الوطنية، ألقى خلالها الروائي السعودي أحمد أبو دهمان محاضرته المعنونة «كاتب سعودي في باريس»، في لحظة مبكرة كشفت ملامح مشروعه السردي.
في إطار التعاون الثقافي بين مكتبة الملك فهد الوطنية والسفارة الفرنسية في الرياض، استضافت المكتبة الأديب السعودي أحمد أبو دهمان في أمسية ثقافية بعنوان “كاتب سعودي في باريس”، وذلك مساء يوم الاثنين 25/12/1421هـ الموافق 20/3/2001م، بحضور نخبة من المثقفين والمهتمين بالشأن الأدبي.
وقدّم الأمسية الدكتور معجب الزهراني، الذي رحّب بالحضور وبالمنجز الروائي لأبو دهمان، متوقفًا عند روايته «الحزام»، التي صدرت في باريس قبل عام من الأمسية، ولاقت احتفاءً نقديًا وإعلاميًا واسعًا في الأوساط الثقافية الفرنسية. وأشار الزهراني إلى أنه سبق أن تناول هذا العمل في دراسات نقدية، واصفًا إياه بـ«النص الجميل»، كما ألقى عنه محاضرة نقدية في نادي أبها الثقافي.
وفي مستهل حديثه، استعاد أبو دهمان حكاية الحلم، مؤكدًا أن هذا اللقاء يمثّل تحققًا لحلم قديم، وأن الدعوة التي تلقاها للمشاركة في الأنشطة الثقافية الفرانكفونية تُعد تشريفًا له وللمملكة. وقال: «عندما ألتقي بأهلي لا أكتب، بل أتحدث إليهم مباشرة»، موجّهًا تحية خاصة لوالده الذي قال إنه بذل كل شيء، ومشيرًا إلى أن له «آباءً كثيرين» في مسيرته الثقافية، من بينهم الأديب عبدالكريم الجهيمان، وأساتذته في جامعة الملك سعود، الذين عدّهم بحق آباءه، وقد أشاد بهم في قصيدة نشرها في صحيفة الرياض بعنوان «أبجدية الفرح».
وأكد أبو دهمان أن رواية «الحزام» انطلقت من هنا، قائلاً: «تشكلت روحي في هذه البلاد، وتشكلت شعريًا من هنا، وتشكلت معرفيًا من باريس». وأضاف أن قصيدة «أبجدية الفرح» كانت لحظة فاصلة في حياته، اكتشف فيها أنه لا خيار أمامه سوى الكتابة، «لأنه لا حياة إلا بالكتابة».
وسرد أبو دهمان قصة شروعه في كتابة الرواية، موضحًا أنه بدأها بعد عشرين عامًا من البحث في تاريخ البلاد الثقافي والديني والسياسي، مستفيدًا من دراسات جادة سبقته، مثل أعمال الدكتور عبدالله بن صالح العثيمين والدكتور محمد آل زلفة، لكنه رأى أن عليه أن يصوغ هذا التاريخ شعرًا وسردًا، لأن هذه البلاد – على حد تعبيره – «أطول قصيدة في تاريخ البشرية، ولا يمكن أن يكتبها إلا أحد أبنائها».
وأشار إلى أنه أنجز رواية «الحزام» في سبعة أشهر، وكان خلالها يشارك ابنته تفاصيل الأحداث أثناء عودتهما من المدرسة، ويقرأ ما كتبه لزوجته مساءً، حتى انتهى من النص وهو يعيش مزيجًا من البكاء والضحك كما لم يعش من قبل. وذكر واقعة مؤثرة حين لم يعثر على اسم لحكيم القرية في بداية الكتابة، ثم تلقى اتصالًا من القرية بوفاة ذلك الرجل عند انتهائه من النص، واصفًا إياه بأنه كان يمثل «كل الآباء».
وأوضح أن «الحزام» هو اسم حكيم القرية أو القبيلة، وأن الرواية تروي أحداث طفولته في قرية آل خلف، حيث احتلت العادات والتقاليد والأغاني الشعبية مساحة واسعة من السرد. وأكد أنه كان حريصًا على كتابة نص مختلف عن السائد، كما يفعل في تجربته الشعرية.
وعن سبب كتابته الرواية باللغة الفرنسية، قال أبو دهمان: «أردت أن أقول للفرنسيين إن هناك وجهًا مضيئًا لهذه البلاد»، معربًا عن دهشته من حجم التفاعل مع العمل، حيث تلقى عقدًا من دار غاليمار الفرنسية يوازي أجور كبار الكتّاب. وبيّن أن الرواية صدرت في 23 مارس 2000م، وحظيت باهتمام صحف فرنسية كبرى مثل لوموند وليبيراسيون، إضافة إلى تغطيات إذاعية وتلفزيونية في القناة الخامسة وراديو فرنسا للثقافة.
وأكد أبو دهمان أنه يُعد أول كاتب من الجزيرة العربية يكتب رواية بالفرنسية، وقد أصبحت «الحزام» ذات صيت واسع في الأوساط الثقافية الفرنسية، حيث بيع منها أكثر من عشرة آلاف نسخة، وصدر منها خلال عام واحد ثماني طبعات، مع عقود ترجمة إلى الألمانية والإنجليزية والعربية والهولندية، مؤكدًا أن الرواية ما زالت مرشحة للانتقال إلى لغات أخرى وقراء جدد.
مداخلات وشهادات
وفي المداخلات، قال الدكتور عبدالله الغذامي إن تكريم أحمد أبو دهمان واجب ثقافي، مؤكدًا أنه يمثّل رمزًا من رموز الإنجاز الوطني، وأن أعظم إنجاز لأي بلد هو خطاب المحبة الذي ينقله مبدعوه إلى العالم، مشيرًا إلى تجارب عربية وعالمية نجحت في الغرب مثل جبران خليل جبران وإدوارد سعيد وأحمد زويل.
وأشاد الدكتور محمد آل زلفة بوقوف الأدباء إلى جانب أبو دهمان بعد نجاح «الحزام» في فرنسا، مؤكدًا أن الرواية صوّرت القرية بصدق الحياة الفطرية والطبيعة الإنسانية. فيما رأى الدكتور محمد البقاعي أن الرواية لو كُتبت بالعربية منذ البداية لما نالت الاحتفاء نفسه في فرنسا.
وتنوّعت المداخلات النقدية بين آراء حول ترجمة الرواية إلى العربية، ومستقبلها القرائي داخل المملكة، حيث عبّر أبو دهمان عن حلمه بأن تصل «الحزام» إلى القرى كافة، وأن تجد روايات المبدعين السعوديين فرصتها الكاملة في الداخل.
لقطات
• «الحزام» أول عمل سعودي مكتوب بالفرنسية يتصدّر قوائم المبيعات في فرنسا لأسابيع.
• القرية في تجربة أبو دهمان تعيش على إيقاع الشعر والغناء، من الميلاد حتى الموت.
• صدور الترجمة العربية للرواية بقلم المؤلف عن دار الساقي.
في محاضرة قديمة متجددة للراحل أحمد أبو دهمان في مكتبة الملك فهد الوطنية عن “كاتب سعودي في باريس”
أُقيمت قبل خمسٍ وعشرين عامًا



