الرياض – الثقافية
تظل العُلا واحدة من أبرز الشواهد الحية على تلاقي الحضارات القديمة، ووجهةً فريدة في قلب الجزيرة العربية تستقطب أنظار الباحثين والرحّالة منذ قرون. وفي كتابه الجديد «العلا في عيون الرحالة»، الصادر حديثًا عن مؤسسة الانتشار العربي (2025م)، يوثق الدكتور سعد بن سعيد الرفاعي مسار هذا الاهتمام الممتد، جامعًا بين ما سطره الرحّالة الغربيون والعرب عن هذه المدينة العريقة، وبين المشهد الراهن الذي تحظى فيه العُلا بمكانة عالمية ضمن رؤية السعودية 2030.
مشروع بحثي متكامل
يشير المؤلف في مقدمته إلى أن أدب الرحلات ليس مجرد سرد لوقائع السفر، بل هو مصدر معرفي يضيء جوانب خفية من التاريخ الاجتماعي والحضاري. ومن هنا، جاءت فكرة تتبع العُلا في كتابات الرحّالة، خاصة بعد أن أضحت المدينة مسجلةً في قائمة التراث العالمي لليونسكو، ومقصداً ثقافياً وسياحياً بارزاً. ويؤكد الرفاعي أن هدفه هو وصل المشاهدات القديمة بما يستجد من مدونات حديثة، بما يتيح للباحث والقارئ المقارنة والتأمل.
معالم شاخصة
يستعرض الكتاب أبرز المعالم التي أدهشت الرحّالة، مثل جبل عِكمة الذي عُرف بـ”المكتبة المفتوحة” لكثرة نقوشه، والخريبة مركز حضارتي ديدان ولحيان، والحِجر أول موقع سعودي مدرج في قائمة اليونسكو. كما يتوقف عند قصر الفريد وقصر البنت وجبل الفيل، إلى جانب سور العُلا القديم، و”صخرة الحوار” المرتبطة بأسطورة ناقة صالح. كل هذه المعالم شكلت مادة خصبة لرحلات المستشرقين والجغرافيين العرب على حد سواء.
شهادات الرحّالة
ينقل الرفاعي في فصوله مشاهدات الرحّالة الغربيين مثل فالين وشارل ديدييه وتشارلز داوتي، الذين انبهروا بمدائن صالح ووصفوا نقوشها ومقابرها وبيوتها المنحوتة بدقة في الصخر، ورأوا فيها صلة بالحضارات الكبرى. كما يورد كتابات العرب الأوائل من الطبري إلى ياقوت الحموي، الذين وصفوا العُلا بأنها محطة رئيسة على درب الحجيج الشامي، ومركزًا زراعيًا عامرًا بالعيون والواحات.
بين الماضي والحاضر
يمثل هذا العمل إضافة نوعية لأدب الرحلات، حيث يربط بين ذاكرة النصوص القديمة ومشاريع الحاضر التي جعلت من العُلا مركزًا عالميًا للسياحة والتراث. وبقدر ما يفتح الكتاب نوافذ على صورٍ من التاريخ، فإنه يعكس كذلك الجهود السعودية الحثيثة لصون هذه الجوهرة الصحراوية، وتقديمها للعالم بوصفها متحفًا مفتوحًا يحكي قصة حضاراتٍ عاشت وازدهرت على أرضها.
بهذا، يغدو «العلا في عيون الرحالة» وثيقة ثقافية تجمع بين متعة السرد ورصانة التوثيق، لتؤكد أن العُلا ليست مجرد محطة عابرة في كتب التاريخ، بل فضاء نابض بالدهشة والجمال والخلود.