الرياض – جواهر الدهيم
برعاية معالي الدكتور محمد آل هيازع رئيس جامعة الفيصل وبحضور صاحبة السمو الملكي الدكتورة مها بنت مشاري آل سعود نائب رئيس الجامعة للعلاقات الخارجية والتطوير، وضيفة الشرف في المؤتمر صاحبة السمو الملكي الأميرة الدكتورة هيا بنت خالد بن بندر نائب الرئيس الأول للأبحاث في مؤسسة هيفولوشن، نظمت الجامعة المؤتمر الدولي “العلاج بالخلايا الجذعية: التحول في الطب التجديدي”، الذي تنظمه جامعة الفيصل على مدى يومي 26 و27 سبتمبر 2025، بمشاركة نخبة من الباحثين والأطباء والخبراء من مختلف أنحاء العالم، في تجمع علمي يُعد من أبرز المنصات لعرض أحدث ما توصل إليه العلم في هذا المجال المتسارع.
واستعرض المؤتمرون التطورات الحديثة في الطب التجديدي والخلايا الجذعية، مع التركيز على التطبيقات السريرية والعلاجية الواعدة، وبحث القضايا التنظيمية والأخلاقية ذات الصلة، بما يعزز من فرص إدخال هذه التقنيات إلى الممارسة الطبية على أسس علمية راسخة. كما أتاح المؤتمر المجال أمام المشاركين لتبادل الخبرات، وبناء شراكات بحثية ومؤسساتية من شأنها دفع عجلة الابتكار الطبي نحو آفاق جديدة.
وشهد برنامج اليوم الأول جلسات رئيسية تناولت التقدم في علم الجينوميات والتقنيات الحيوية، والآفاق المستقبلية لأبحاث الخلايا الجذعية بين الواقع والطموح، إضافة إلى محاضرات متخصصة حول دور الخلايا الجذعية في مكافحة الشيخوخة وتجديد الأعضاء، وأهمية تخزين دم الحبل السري، وكذلك استخدام تقنيات التحرير الجيني “كريسبر” في الطب الشخصي. كما خُصصت جلسة قيادية لبحث آليات إصدار تراخيص الممارسات التجارية المتعلقة بالخلايا الجذعية، بهدف وضع أطر واضحة تضمن الاستخدام الآمن والمسؤول لهذه التقنيات.
وأكدت رئيسة المؤتمر الدكتورة مريم العيسى في كلمتها الافتتاحية أن هذا المؤتمر يمثّل محطة بارزة في السعي نحو تسخير العلاجات المبتكرة لإعادة تشكيل مستقبل صحة الإنسان، مشيرةً إلى أن قوة المؤتمر تكمن في تنوع تخصصاته وثراء أطروحاته، وما يقدّمه من منصة عالمية للحوار حول الأبعاد التنظيمية والسريرية والأخلاقية لهذا المجال المتسارع.
وشددت العيسى على أن المؤتمر يهدف إلى تعزيز البحث العلمي، واستعراض أبرز الاختراقات العلاجية الناشئة في بيولوجيا الخلايا الجذعية، إضافةً إلى دعم التعاون بين الباحثين والمؤسسات الصحية الدولية، بما يسهم في دفع مسيرة الطب الانتقالي نحو تحقيق تأثيرات إيجابية تمتد إلى ما بعد جدران المؤتمر.
المؤتمر الذي يستمر على مدى يومين، يشهد حضورًا واسعًا من المتحدثين الدوليين والمشاركين المحليين، وسط تطلعات بأن يثمر عن شراكات جديدة وأفكار مبتكرة تلهم الأوساط الطبية وتسهم في تطوير الرعاية الصحية عالميًا.
ويُنتظر أن تسهم هذه الفعالية في تعزيز مكانة المملكة كمركز إقليمي رائد في أبحاث الطب التجديدي، ودعم الجهود الوطنية الرامية إلى تمكين البحث العلمي وتطوير منظومة الرعاية الصحية. كما يُتوقع أن تسفر المناقشات عن توصيات عملية تُسهم في رسم خارطة طريق مستقبلية لهذا التخصص الحيوي، بما ينعكس إيجابًا على جودة الحياة وصناعة مستقبل صحي أكثر تطورًا.
** العسكر: الخلايا الجذعية علم واعد لا يجب أن يُستغل للكسب السريع **
على صعيد متصل أكد أ. د. أحمد بن سليمان العسكر، المدير التنفيذي لمركز الملك عبدالله العالمي للأبحاث الطبية (كيمارك) ورئيس الجمعية السعودية لزراعة الخلايا الجذعية، أن أبحاث الخلايا الجذعية تمثل اليوم واحدًا من أكثر المجالات الطبية إثارة للجدل بين الأمل العلمي والتطبيقات المثبتة من جهة، والوهم والدعاية المضللة من جهة أخرى.
جاء ذلك خلال مشاركته في المؤتمر الدولي “العلاج بالخلايا الجذعية: التحول في الطب التجديدي”، الذي تنظمه جامعة الفيصل بالرياض ، بمشاركة نخبة من الخبراء والباحثين المحليين والدوليين في مجال الطب التجديدي.
وأوضح العسكر أن الخلايا الجذعية تُعد خلايا أولية قادرة على التجدد والتحول إلى أنواع مختلفة من خلايا الجسم، الأمر الذي جعلها محط اهتمام العلماء حول العالم. وأشار إلى أن أبرز الاستخدامات الطبية المثبتة حتى الآن تتمثل في زراعة نخاع العظم لعلاج أمراض الدم السرطانية والوراثية، إضافة إلى بعض النجاحات في زراعة الجلد لمصابي الحروق وترميم القرنية.
ولفت إلى أن هناك أبحاثًا متقدمة لعلاج أمراض مزمنة مثل السكري وباركنسون وإصابات الحبل الشوكي، بجانب تطوير نماذج مصغرة للأعضاء (أورغنويدات) تُستخدم في اختبار الأدوية وفهم الأمراض، مؤكداً أن هذه الجهود تبنى على أسس علمية قوية لكنها لا تزال في مرحلة التجربة.
في المقابل، حذر العسكر من انتشار عيادات غير مرخصة تدّعي علاج أمراض معقدة كالزهايمر والتوحد وإيقاف الشيخوخة عبر الخلايا الجذعية، مؤكداً أن هذه الممارسات لم تثبت علمياً وتشكل خطراً على المرضى، حيث سجلت مضاعفات خطيرة في بعض الحالات. كما أشار إلى استغلال اسم “الخلايا الجذعية” في الدعاية لمستحضرات تجميلية ومكملات غذائية لا علاقة لها بالطب.
وبيّن أن هيئات علمية وصحية عالمية وضعت ضوابط صارمة لمواجهة هذه التجاوزات، منها هيئة الغذاء والدواء الأمريكية، والأنظمة الأوروبية واليابانية، فيما استثمرت المملكة في مراكز بحثية متقدمة مثل (كيمارك) مع التركيز على الالتزام بالمعايير الأخلاقية والقوانين المنظمة.
وختم العسكر بالتأكيد على أن المستقبل يحمل آمالاً كبيرة، خاصة مع إمكانية الدمج بين علم الجينات والخلايا الجذعية لعلاج أمراض وراثية، إضافة إلى التوجه نحو طباعة أعضاء بشرية كاملة وتطوير بنوك تخزين الخلايا الجذعية، لكنه شدد على أن الطريق ما يزال طويلاً وأن الأمل يجب أن يُبنى على الحقائق العلمية لا على أوهام الدعاية والكسب السريع.