متعب بن ناصر آل عبدالسلام (إعلامي سعودي)
في كل عام، ومع إشراقة يوم الثالث والعشرين من سبتمبر، يعيش السعوديون مناسبة استثنائية، تستحضر أمجاد التأسيس، وتستعرض حاضرًا زاهرًا ومستقبلًا مشرقًا. اليوم الوطني لمملكتنا العربية السعودية لا يعد مجرد ذكرى تاريخية لحدث إعلان توحيد هذه البلاد المباركة على يد الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود – طيب الله ثراه – عام 1351هـ/1932م، بل هو مناسبة متجددة لتعزيز روح الانتماء والفخر، واستحضار التضحيات التي صنعت هذا الكيان الشامخ، ومراجعة المنجزات الكبرى التي تواصلت جيلاً بعد جيل، وصولًا إلى مرحلة التحول التاريخي الذي تعيشه المملكة في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وسمو ولي عهده الأمين الأمير محمد بن سلمان – حفظهما الله – من خلال رؤية المملكة 2030.
عندما أعلن الملك المؤسس عبدالعزيز – رحمه الله – توحيد هذه البلاد المباركة تحت راية واحدة لم يكن الإنجاز مجرد وحدة جغرافية وسياسية، بل كان تأسيسًا لدولة ذات هوية راسخة ومكانة إسلامية ودور محوري في محيطها العربي والإسلامي والدولي. ذلك الإرث استمر عبر أبنائه الملوك الذين رسخوا أركان الدولة، وعملوا على بناء المؤسسات الحديثة، وتطوير البنية التحتية، وتعزيز التعليم والصحة، حتى وصلت المملكة اليوم إلى موقع الريادة في مختلف المجالات.
فتسلم خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز – أيده الله – دفة الحكم عام 2015، ليقود مرحلة جديدة من التطوير والإصلاح والتحديث، قائمة على الجمع بين الأصالة والمعاصرة. فقد تميز عهده بالحزم في مواجهة التحديات الإقليمية والدولية، والحكمة في رسم السياسات الداخلية والخارجية، بما يحقق مصلحة الوطن والمواطن، ويحافظ على مكانة المملكة وهيبتها.
ففي عهد الملك سلمان، شهدت المملكة تعزيزًا لمكانتها كقوة سياسية واقتصادية عالمية، حيث تقود مبادرات فاعلة في مجموعة العشرين، وتواصل جهودها في تحقيق الاستقرار الإقليمي، إضافة إلى رعايتها الدائمة لخدمة الحرمين الشريفين وتسهيل وصول ملايين الحجاج والمعتمرين من أنحاء العالم.
ولا يمكن الحديث عن المنجزات السعودية الحديثة دون التوقف عند شخصية ملهمة واستثنائية، هي سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان – حفظه الله – الذي أطلق رؤية السعودية 2030 في عام 2016، كخطة استراتيجية طموحة تهدف إلى تنويع الاقتصاد الوطني وتقليل الاعتماد على النفط، وبناء اقتصاد معرفي متنوع، مع تحسين جودة الحياة للمواطن والمقيم، وتعزيز مكانة المملكة كقوة مؤثرة عالميًا.
سمو ولي العهد لم يكن قائدًا إداريًا فحسب، بل كان رمزًا للشباب السعودي الطموح الذي يؤمن بقدرة الوطن على تحقيق المستحيل، فقد استطاع أن يجعل من رؤية 2030 خريطة طريق واضحة، تحولت إلى مشاريع واقعية وإنجازات ملموسة على أرض الواقع.
منذ إطلاق رؤية 2030 حتى اليوم الوطني الـ95 حققت المملكة سلسلة من الإنجازات النوعية التي أعادت صياغة صورتها في الداخل والخارج. ومن أبرز تلك الإنجازات الجانب الاقتصادي، حيث تنوعت الاستثمارات وتضاعف حجم صندوق الاستثمارات العامة ليصبح من بين أكبر الصناديق السيادية في العالم، في حين شهد قطاع الطاقة تحولًا كبيرًا نحو المشاريع النظيفة والمتجددة بما في ذلك الاستثمار في الهيدروجين الأخضر والطاقة الشمسية والرياح، لتكون المملكة لاعبًا رئيسيًا في مستقبل الطاقة العالمي. كما أسهمت إصلاحات بيئة الأعمال وتطوير التشريعات في جعل المملكة وجهة جاذبة للاستثمار العالمي، بما يعزز من مكانتها كمركز إقليمي للتجارة والمال.
وعلى صعيد البنية التحتية، أطلقت المملكة مشاريع نوعية عملاقة تعكس رؤيتها نحو المستقبل، مثل مشروع نيوم الذي يمثل نموذجًا للمدن الذكية المستدامة، ومشروع البحر الأحمر وأمالا لتطوير السياحة الفاخرة وربط الإنسان بالطبيعة، والقدية التي ستشكل نقلة نوعية في صناعة الترفيه والرياضة. هذه المشاريع وغيرها ليست مجرد مبادرات عمرانية، بل هي جزء من تصور استراتيجي شامل لبناء اقتصاد متنوع ومجتمع حيوي وبيئة مستدامة.
وفي القطاع الاجتماعي والثقافي، شهدت المملكة تطورًا نوعيًا غير مسبوق، حيث جرى إطلاق التأشيرة السياحية لفتح أبواب البلاد أمام العالم، مما أسهم في تعزيز مكانتها كوجهة سياحية عالمية، إلى جانب استضافة مواسم وفعاليات ثقافية ورياضية كبرى عززت من الحراك المجتمعي ورسخت صورة المملكة كحاضنة للثقافة والإبداع. كما شهدت مشاركة المرأة السعودية في سوق العمل قفزة غير مسبوقة، فأصبحت حاضرة في مختلف القطاعات القيادية والمهنية، وهو ما يعكس التزام الدولة بتمكين المرأة واستثمار قدراتها في بناء الوطن.
أما في مجال الصحة وجودة الحياة فقد أثبتت المملكة قدرتها على إدارة التحديات العالمية بجدارة، كما حدث خلال جائحة كورونا حين تصدت للأزمة بكفاءة عالية حظيت بإشادة دولية، من خلال برامج وقائية وعلاجية واسعة النطاق. كما تواصل الدولة جهودها في تحسين جودة الحياة عبر تطوير المرافق والخدمات المجتمعية والرياضية والمساحات الخضراء، بما يعزز من رفاهية المواطن والمقيم على حد سواء.
وفي المجال البيئي أطلقت المملكة مبادرتي السعودية الخضراء والشرق الأوسط الأخضر، كخطوتين تاريخيتين تعكسان إدراكها لمسؤوليتها تجاه القضايا المناخية العالمية، وسعيها إلى المساهمة في خفض الانبعاثات الكربونية وزراعة مليارات الأشجار وإيجاد حلول مستدامة للتحديات البيئية. هذه المبادرات وضعت المملكة في صدارة الدول الساعية إلى التوازن بين التنمية الاقتصادية وحماية البيئة.
جميع هذه الإنجازات لم تكن مجرد أهداف داخلية، بل جعلت المملكة نموذجًا يحتذى به في العالم، من خلال الجمع بين الأصالة والحداثة، وبين التمسك بالقيم والهوية الإسلامية والانفتاح على العالم. وقد انعكس ذلك على تعزيز حضور المملكة في المحافل الدولية و زيادة ثقة المستثمرين العالميين لإسهامها في الاستقرار الإقليمي.
ما يميز اليوم الوطني السعودي هو ذلك الشعور الجمعي بالانتماء والولاء، الذي يجعل من كل إنجاز وطني قصة نجاح يتقاسمها الجميع. فالمواطنون والمقيمون يرون في المملكة وطنًا للفرص والطموحات، يقوده ملك حكيم وولي عهد شاب ملهم، ويستمد قوته من شعب مخلص ومحب.
فبينما يحتفي السعوديون باليوم الوطني الـ95 تتجه الأنظار إلى المستقبل بثقة وأمل. فالمملكة تسير بخطى ثابتة نحو تحقيق كامل مستهدفات رؤية 2030، وتعمل على أن تكون من بين أكبر الاقتصادات في العالم، ومركزًا عالميًا للابتكار والتقنية، وقوة فاعلة في مواجهة التحديات البيئية والتنموية.
إن ما تحقق خلال أقل من عقد منذ إطلاق الرؤية يعكس الإرادة السياسية الصلبة، والقدرة على الإنجاز، والروح الوطنية المتجددة. ومع استمرار العمل الجاد، فإن مستقبل المملكة يعد بمزيد من الريادة، ليس فقط في المنطقة، بل على مستوى العالم.
اليوم الوطني الـ95 للمملكة العربية السعودية هو مناسبة للفخر والاعتزاز، والوفاء للآباء المؤسسين، والشكر والعرفان للقيادة الرشيدة -أيدها الله- ، وتجديد العهد على مواصلة العمل والبناء. إنه يوم يجسد قصة وطن عظيم بدأ بتوحيد أرضه، وواصل مسيرة نهضته حتى أصبح اليوم في مصاف الدول الكبرى.
وفي ظل قيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وسمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان –أيدهما الله- ، فإن المملكة تسير بثبات نحو مستقبل أكثر إشراقًا، لتظل نموذجًا للعزيمة والإرادة، ورمزًا للفخر والكرامة، وموطنًا للأمن والاستقرار والتنمية المستدامة.
وإنه لفخر لكل سعودي أن يقف في هذا اليوم الوطني ليقول بثقة واعتزاز: هذا وطني.. وهذه إنجازاته.. وهذا مستقبله الواعد.