جمال الياقوت – البحرين
نظّمت جامعة الخليج العربي فى مملكة البحرين ندوة فكرية احتفت خلالها بالعطاءات العلمية والفكرية والثقافية للمفكر العربي الراحل الدكتور محمد جابر الأنصاري ، الذي شكّل بفكره ومؤلفاته علامة مهمّة في مسار النهضة العربية الحديثة، حيث أقيمت الندوة في قاعة الأمير عبد العزيز بن فهد في مركز الأميرة الجوهرة بنت إبراهيم البراهيم للطب الجزيئي وعلوم المورثات والأمراض الوراثية .
وخلال افتتاح الندوة التي حضرها سفير خادم الحرمين الشريفين لدى مملكة البحرين السفير نايف بن بندر السديري ، ومعالي رئيس مجلس الشورى بمملكة البحرين علي بن صالح الصالح ولفيف من المثقفين والإعلاميين والمهتمين ، أشاد معالي رئيس جامعة الخليج العربي الدكتور سعد بن سعود آل فهيد بالمكانة العلمية الرفيعة للدكتور محمد جابر الأنصاري (رحمه الله ) ، الذي عُرف بمنهجه النقدي الرصين، ورؤيته التحليلية المتبصّرة المنطلقة من الواقع ، والمستشرفة للمستقبل، مشيدًا بإسهاماته أثناء عمله عميدًا لكلية الدراسات العليا بالجامعة، ومؤكداً أن إرثه الفكري لا يزال رافدًا غنيًا للفكر العربي الحديث، ومرجعًا للباحثين في كثيرٍ من المجالات المعرفيّة والفكريّة، مؤكّدًا أن هذه الندوة تأتي في إطار رسالة الجامعة المستمرة لتعزيز الوعي المعرفيّ ، وترسيخ الثقافة في المجتمع الخليجي، كما أنها تُجدد من خلالها عهد الوفاء لروادها الذين أسهموا في بناء نهجها الأكاديمي والثقافي.
من جانبه، أوضح مدير الندوة عميد كلية التربية والعلوم الإدارية والتقنية بالجامعة الدكتور وليد زباري أن الاحتفاء برحلة مفكر عربي كبير، وأستاذ جليل، ترك بصمة عميقة في الفكر والثقافة، كالدكتور محمد جابر الأنصاري، رحمه الله، لا يمكن أن تفيه حقّه في ساعات قليلة، لافتاً خلال إدارته للندوة إلى أن استعراض إرث الدكتور الأنصاري الفكري والإنساني والحصول على شهاداتٍ حية من الذين عاصروه من زوايا مختلفة ليست بالمهمة السهلة.
وقال: “لم يكن الدكتور الأنصاري مجرد مفكر أو أكاديمي، بل كان منارة أضاءت دروب الفكر العربي لعقود، ابن المحرق العتيدة، ومؤسس الثقافة النقدية في الخليج، حمل اسم البحرين وهمّ الأمة في آنٍ واحد، وترك وراءه إرثًا فكريًا وإنسانيًا لا يُنسى.”
من جانبها، استهلت هالة الأنصاري، مستشارة جلالة الملك للشؤون الثقافية والعلمية، الحديث كأول المتحدثين عن الجانب الإنساني والعائلي في مداخلة بعنوان “في حضرة محمد جابر الأنصاري: رحلة عطاء الأب والأكاديمي والمفكر”، مستعرضة لمحات من ذكريات مرافقة والدها في مختلف مراحل حياته الأسرية والفكرية، مشيرةً إلى القيم التي جسدها كامتداد طبيعي لما عبّر عنه في كتاباته ومواقفه الفكرية.
وقالت: “الحديث عن الأب يختلف كثيرًا عن الحديث عن المفكر، لكن الدكتور الأنصاري كان قادرًا على التوفيق بين هاتين الصفتين في شخصيته، بحيث امتزج الجانب التربوي بالبعد الثقافي، وغرس القيم ذاتها التي آمن بها داخل الأسرة كما في قاعات الدرس”، مؤكدة أن إرثه الفكري سيبقى حاضرًا في الذاكرة الثقافية، لما يمثله من رؤية تنويرية ساهمت في تشكيل الوحدة الخليجية والوعي العربي الحديث.
تبع ذلك، مداخلة قدمها الدكتور رياض يوسف حمزة، رئيس الجامعة الملكية للبنات، بعنوان “الدرب الطويل مع الدكتور محمد جابر الأنصاري”، استعرض خلالها علاقة الصداقة والزمالة التي ربطته بالراحل الدكتور الأنصاري على مدى يزيد عن ربع قرن، مركزاً على ما قام به من ترجمة جانب مهم من أعمال الدكتور الأنصاري في مجال الفكر إلى اللغة الإنجليزية، وذلك ليطلع القارئ غير العربي على جانب من هذا الفكر الإنساني، وليتعرف على طبيعة تكوين الإنسان العربي، وكيفية رؤيته للأحداث والتاريخ والعلاقات البينية.
وتطرق إلى بيان طبيعة علاقة الدكتور الأنصاري بطلبته من جامعة الخليج العربي، وكيف تأثروا بطريقة تدريسه القائمة على طرح الثقافة والحضارة العربية الإسلامية بشكل منفتح غير مرتبط بكتاب واحد ولا أستاذ واحد، حتى يعطي المادة المزيد من الغنى والتنوع، وهذا ما يجعلهم يديمون التفكير في القضايا، وربط العلوم الإنسانية بالعلوم التطبيقية في حياتهم.
من جهتها، قدمت الشيخة مي بنت محمد آل خليفة، رئيسة مجلس أمناء مركز الشيخ إبراهيم بن محمد آل خليفة للثقافة والبحوث، مداخلة بعنوان “حكاية فكر وذاكرة: الدكتور الأنصاري كما عرفته وعرفه أبي وجدي”، استعرضت خلالها طبيعة العلاقة التي جمعت والدها وجدها بالدكتور الأنصاري والجهود التي بذلها لتأسيس مركز الشيخ إبراهيم بن محمد آل خليفة للثقافة والبحوث، مؤكدةً أن الدكتور الأنصاري رحمه الله كان من أوائل من كتب وجمع وحقق في التاريخ البحريني والعربي، وكان مساهمًا بدور فاعل في نشر العلم والمعرفة بإخلاص وتفانٍ، مستعرضة سطورًا من مسودة رسالة قديمة وجدتها في مكتبة والدها تؤكد جانبًا شخصيًا وإنسانيًا يجسد طبيعة العلاقة الوثيقة التي جمعته بعائلتها، تعكس دليلاً واضحًا على هذا الالتزام بالعلم والمعرفة.
واختُتمت الندوة بمداخلة نقدية متأملة في المشروع الفكري القومي قدمها بمنظار الناقد والمفكر الدكتور سعد البازعي حول “فكر الدكتور الأنصاري القومي العربي: قراءة في مسيرته ودوره كمفكر عربي”، مقدماً مسيرة الراحل كرجل أضاء للكثيرين دروب المعرفة والحكمة في سياق الحركة الفكرية العربية المعاصرة، مستشهداً في الوقت ذاته بمحطات من العطاء الفكري والحوار الحضاري الذي تخطى الحدود، مشيراً إلى السمات الأبرز التي ميزت طرح الدكتور الأنصاري عن غيره من المفكرين القوميين العرب.