جواهر الدهيم – الرياض
حرصت حكومتنا الرشيدة على الاهتمام بالمناطق الأثرية والمعالم التراثية والبيوت الأثرية القديمة في كافة محافظات الوطن الغالي، كما عملت هيئة التراث على حمايتها وشجعت المهتمين بالمحافظة عليها وتطويرها وجعلها قرى تراثية ووجهات سياحية، حيث تحولت البيوت الأثرية القديمة إلى قرى تراثية ومتاحف وظهر العديد منها وأصبحت معالم تراثية تحيي الماضي الجميل وتعرف الأجيال بتاريخ الأجداد وحياتهم الماضية ومنها قرية بيت عيسى التراثية والتي برزت مؤخراً.

عرقة العريقة
تحتضن محافظة عرقة في منطقتها القديمة الذي يعود تاريخها لمئات السنين المتميزة بالمعالم الأثرية كالمساجد القديمة والمقابر التاريخية والبوابات الأثرية والمنازل التي تمثل الطراز النجدي الأصيل ، حيث برز فيها “بيت عيسى التراثي ” كأحد المعالم الأثرية في المحافظة ، حيث تحولت البيوت بجانبه إلى قرية تراثية رائعة تنبعث منها رائحة الماضي العريق وعبق التراث الجميل، وتحفل بالعديد من الفعاليات المتنوعة، حيث يقبل عليه عدد كبير من الزوّار بأعمار متباينة للاستمتاع.

لمحة عن عرقة
لعرقة عدة مسميات حيث يقول المؤرخ والباحث عبدالرحمن الرسيمي إن لعرقة تاريخ عريق حيث توضح خارطة عرقة القديمة سبب تسميتها والمواقع الأثرية التابعة لها ، فالتسمية الأولى لعرقة كانت ” عوقة ” لأنها تعوق الذي يمشي والتسمية الثانية عرقة على “عرق” جبل أي أنها تقع على سفح جبل ، أما التسمية الثالثة بعرقة لأنها تتعرق القوافل التي تمر بها وهناك من يقول سميت عرقة على اسم عرقان رجل جاء من العراق والأرجح لتسميها عرقة أنها تقع في منطقة نزل منطقه يقال وبره وقيل عوقة فأصبحت عرقة لكثر العرق على سفح الجبل.

ولعرقة التراثية خمس دروازات ” بوابات ” دروازة المراغة، دروازة الباطن ودروازة المستعجلة، ودروازة المغترة ودروازة المقصورة، وقد جددت خارطة عرقة ووضحت عليها الأماكن التاريخية، ومن المواقع التاريخية أيضاً خمسة مساجد مسجد الصنع ومسجد الطويلة ومسجد عرقة الذي تم ترميمه في مبادرة الحفاظ على التراث والمساجد والأثرية ومسجد الشيب الصغير ، كما يوجد بها خمس مقابر تاريخية منها مقبرة القدس حيث كانوا يدفنون الأموات جهة بيت المقدس ، وعندما تحولت القبلة إلى مكة المكرمة أصبحت المقابر تتجه حول الكعبة وطول مقبرة القدس 300 ، وتم تسويرها من قبل البلدية ووضع عليها لوحة ومقبرة غبار ومقبرة سد وادي حنيفة ومقبرة شنان ومقبره منطقه نخل الغريبات.

وفي عام 1360 وقعت حادثة الطالعية العولا المؤلمة والمحزنة والتي وقع 9 أشخاص في بير وتوفوا جميعا عندما كان العامل يقوم بتصليح ماكينة الماء البلاكستون أغرقه الدخان فسقط حيث صاح من أجل إنقاذه فهرع أهل عرقة لما سمعوا الصوت وأخذ يسقط كل من أراد إنقاذه حتي بلغ عددههم من 8 إلى 9 وتوفوا جميعاً وأخرجوهم ودفنوهم فهزت هذه الحادثة أهل عرقة .
وفي عرقة التاريخية تكثر أوقات المساقي أي سقيا الماء وأول أمراء عرقة الهلال ثم الرواف وإلى الآن، ويواصل الباحث عبدالرحمن ذكر قصة من الهدم والدمار إلى الحفاظ على الأصالة والعمار لتحقيق رؤية العزم والحزم للحفاظ على تاريخ مسجد الصنع الذي له أكثر من 400 سنة ، وجاء تجديد بيت العيسى وجعله قرية تراثية تعج بالزوار والفعاليات.

فكرة ترميم تتحول إلى قرية تراثية
وحول فكرة ترميم “بيت عيسى” الذي تحول إلى قرية تراثية في محافظة عرقة ، قال المطور لقرية بيت عيسى المهندس بدر بن عبدالعزيز المقيّل : مع هطول الأمطار تتهدم المنازل الطينية، وسعيًا مني في الحفاظ على تراث أجدادي بدأت في ترميم البيت بمنتصف 2023م، وكانت نقطة الانطلاق القرية التراثية هو منزل جدي عيسى، ومع نهاية ترميمه وإقبال الزوار عليه ساهم الجيران في عرض منازل أجدادهم للتأجير، بحيث تكون تابعة لبيت عيسى، فبدأنا بالتوسع لنشمل جزء من المنطقة. وفيما يتعلق بآلية الترميم ذكر المهندس بدر أن المواد المستخدمة كانت من نفس طين المنطقة ولم يضاف لها أي مواد أخرى، مبيناً أنه تعاون مع شركة هندسية في سبيل جعل المنازل مماثلة لما كانت عليه في الماضي.

محتويات القرية التراثية
وعن محتويات القرية يقول المهندس بدر المقيل تحتوي القرية في بيت عيسى المكان الذي أصبح وجهة لأهالي المنطقة، حيث يقضون فيها وقتًا مميزًا في استرجاع ذكريات الزمن القديم، أو لعيش هذه الحقبة الزمنية من خلال استئجار أحد المنازل التي أُعيد ترميمها، أو الجلوس في الجلسات المخصصة للزوار، كذلك المقاهي التي تتخذ الطراز القديم مع لمسة عصرية، والدكان الذي أخذ يحاكي دكاكين الماضي ببناءه وبضاعته القديمة لقابلة للشراء، مضيفاً إلى وجود مجلس أبو حمدان الذي يحظى بإقبال من قبل الشباب وكبار السن ليصبح ملتقى للتعارف ويتبادلون فيه أطراف الحديث وإعادة الذكريات الجميلة.
بيوت قديمة تتحول إلى قرى سياحية
وأبهرت فكرة تحول مجموعة من البيوت القديمة في عرقة إلى قرية تراثية سياحية حيث يتحدث عن هذا المشروع المدير العام للقرية الأستاذ خالد بن عبدالعزيز العيسى فيقول: يرجع مسمى قرية بيت عيسى إلى الجد عيسى المقيل أحد سكان قرية عرقة القديمة والذي يعود له البيت حيث انتقل من عرقة إلى الرياض وبعد سنوات رجع الحفيد المهندس بدر المقيل وشاهد البيوت المهدمة والبعض منها آيل للسقوط فأشترى البيت الأساسي بيت عيسى جده وكانت الفكرة تطوير البيت وإعادة ترميمه على الطراز القديم، واستشار مهندسين ليجعل مناسبا للسكن يقضي فيه أيام للراحة ولكن تحولت الفكرة لإنشاء قرية تراثية فعرض على الأهالي ليكونوا شركاء وتم استئجار البيوت المتهدمة وإعادة ترميمها على الطراز القديم وبعد استشارة مهندسين حصل على شهادات ترميم ليكون البيت مقاوم للعوامل الجوية ومناسب للفعاليات ومن هنا رحب الأهالي بالفكرة وأجروا بيوتهم التي أعيد ترميمها بنفس الطراز القديم وبنفس لون طين المنطقة وضم لبيت عيسى 12 بيت لتكوين القرية التراثية فبدأت المرحلة الأولى تلاها الثانية ثم الثالثة بإنشاء نزل تراثية تعطي تجربة سياحية بعدها جاءت فكرة الفعاليات بالشراكة مع هيئة الترفيه فتوسعت القرية التي ضمت المقاهي على نفس الطراز وتنوعت الفعاليات لتكون بشكل دائم وتم تهيئة القرية لاستقبال الزوار والسياح حيث زودت بمشروع الضباب والتبريد والإنارة. ومن مشاريع القرية المتحف بالإضافة إلى ترميم مسجد الصنع الذي يعود تاريخ بنائه إلى 400 سنة.

الفعاليات الترفيهية
وحول فعاليات القرية أشار المدير العام للقرية خالد إننا نحرص على مد جسور الشراكة مع هيئة الترفيه حيث تقام فعاليات أسبوعية تشمل مهرجانات للأطفال بجانب الأسر المنتجة وعروض الفرق الشعبية كالسامري وغيرها، كما تحتفل القرية بالأيام الوطنية بجانب الحفلات الغنائية.
التطوير المستقبلي
وحول التطوير المستقبلي قال المهندس بدر المقيل نسعى مستقبلاً لتطوير بيت عيسى ونعمل على جاهزية المكان ليوم التأسيس ليكون الوجهة الرائدة للاحتفاء مع أهالي المنطقة، بالمناسبة الوطنية وعلى مدى أبعد ستتضمن قرية بيت عيسى 11 منزلًا سكنيًا للتأجير، ومجموعة من المقاهي لتواكب التطور، أمّا المنازل المتهدمة نخطط لإعادة ترميمها وتحويلها إلى متحف للزوار، ليحظوا بتجربة لا مثيل لها، ويتفاعلون مع زمن الأولين ويستكشفون عمق تراثنا النجدي والتعرف على أسلوب عيش الأجداد في النزل السكنية، وينقل عاداتهم وثقافتهم كالاطلاع على نمط حياتهم اليومي ومشاهدة الأواني والتحف التي تمثل جزءًا من حياتهم، وكذلك الأزياء النجدية، لتعزيز تجربة الزائر ومنحه رحلة متكاملة للزمن الجميل.
قالوا عن القرية
من جانبهم عبر عدد من الزوار والسياح المرتادين للقرية عن إعجابهم بما شهدوه من تصميم تراثي وما تحويه القرية من تراث وقال جون وزوجته ازبيل من الولايات المتحدة الأمريكية: سعدنا بزيارة المملكة والمناطق التراثية في أبها والبجيري وفي هذه القرية حيث شاهدنا عرض السامري ومنتجات الأسر وأعجبنا بالأكلات الشعبية.
كما عبرت حنين من إحدى الأسر المنتجة عن سعادتها بانضمامها للأسر في القرية مشيدة بالتنظيم وحسن تعامل المنظمين.

وتقول الزائرة موضي عبدالرحمن .. بيت عيسى هذا المكان الذي يحكي طيبة الأولين وبساطتهم أنه جميل بما تحمله الكلمة، حيث استشعرت به زمن الأجداد بسبب موقعه في عرقة القديمة، مضيفةً أن أجواء النخيل وجلسة السطح ورائحة القهوة التي تعانق شيلات السامري بقصائدة التي تبعث الحنين للماضي شيئ يبعث على السرور ويدخل البهجة بجانب التنظيم والهدوء ومساعدة الآخرين.