م. الناصر: النفط لم ينتهِ.. و”أرامكو” باقية في صدارة مشهد الطاقة العالمي
استثمارنا في حقل “الجافورة” بما يفوق الـ 100 مليار دولار يضع المملكة على خريطة الغاز العالمية
“أرامكو” تتحول تدريجيا إلى عملاق مُتعدد في مصادر الطاقة.. والذكاء الاصطناعي والتقنيات الرقمية درعها أمام تقلبات السوق
90 % من موظفي الشركة سعوديون.. وواجهنا الهجوم السيبراني بتحقيق الريادة العالمية في أمن البيانات
إبرام 34 اتفاقية ومذكرة تفاهم مع شركات أمريكية بقيمة محتملة تزيد على 90 مليار دولار خلال زيارة ترمب للمملكة
أكثر من 1000 براءة اختراع.. والبحث والتطوير يعززان ريادة الشركة.. وشراكات صناعية عالمية ومحلية تدعم التنوع وتوطين التقنية
“اكتفاء” و”نماءات”.. جسور متينة بين “أرامكو” والقطاع الخاص.. و”سبارك” والمجمع البحري.. صناعات وطنية عملاقة تُعيد تشكيل خريطة الاقتصاد
استحواذ “أرامكو” على الحصة الأغلبية في “سابك” خطوة استراتيجية نحو التكامل في الطاقة والكيميائيات
المصافي العالمية.. استراتيجية الشركة لتعظيم العائد من كل برميل.. وتنويع الصادرات لا يُقصي النفط
الغاز عنصر رئيس في مزيج الطاقة الجديد.. نحو تقليل الاعتماد على الوقود السائل
على مدى 90 سنة واجهت “أرامكو” دورات اقتصادية وتقلبات في أسعار النفط وفي كل مرة تثبت مرونتها وقدرتها على التعامل مع التقلبات
هدفنا من الاستثمار في نادي القادسية ليس فقط إحراز بطولات.. بل زيادة تنافسية النادي بما يسهم في تنمية الرياضة في المملكة
حوار – خالد بن حمد المالك
من بئر صغيرة في الظهران إلى طاولة القرار العالمي للطاقة.. حيث بدأت القصة..
قصة لم تكن فيها “أرامكو” مجرد شركة نفط.. بل عقل اقتصادي يعيد تشكيل معادلات السوق.. ويكتب سردية جديدة لثروات القرن الحادي والعشرين..
ففي وقت تعيد فيه الدول صياغة أولوياتها بين الطاقة التقليدية والمتجددة.. تقف “أرامكو” عند مفترق الطرق لا كمراقب.. بل كصانع قرار..
في هذا الحوار الخاص لـ “الجزيرة”.. يفتح رئيس “أرامكو” وكبير إدارييها التنفيذيين المهندس أمين الناصر.. أبواب الشركة من الداخل.. ليحدثنا عن التحولات الكبرى.. من النفط إلى الغاز.. ومن الطاقة إلى التقنية.. ومن الاستخراج إلى الاستثمار.. وبلغة الأرقام والرؤية.. يتحدث الناصر عن حقبة ما بعد النفط التقليدي.. وكيف تتحول الشركة إلى لاعب عالمي في الغاز والكيميائيات والطاقة منخفضة الانبعاثات.. ويسلط الضوء على مرونة الشركة أمام تقلبات الأسواق.. ويستعرض رؤيتها لتعزيز المحتوى المحلي.. وتمكين الكفاءات الوطنية.. إلى جانب طموحاتها في قيادة صناعة الطاقة.. ويستعرض ملفات مستقبل الطاقة عالميا.. ويكشف عن خطط “أرامكو” في مجالات الغاز.. والطاقة المتجددة.. والذكاء الاصطناعي.. والتوسع العالمي في التكرير والكيميائيات.
ما مستقبل الهيدروكربونات في عصر الكربون المنخفض؟.. وكيف تحافظ “أرامكو” على موقعها الريادي وهي تتوسع في ميادين الذكاء الاصطناعي والطاقة النظيفة؟.. وغير ذلك كثير من المحاور.. في حوار غني بالرؤى والمؤشرات.. يعكس ثقة “أرامكو” بدورها الريادي في الحاضر.. ومكانتها في المستقبل.. ويحمل بين سطوره قصة اقتصاد.. ومعادلة “جيوسياسية”.. ورؤية تمتد إلى ما بعد 2030.. لتكتب “أرامكو السعودية” فصلا جديدا في حكاية الطاقة العالمية.. حيث لا تدير من مقرها في الظهران أكبر احتياطات النفط في العالم فقط.. بل تدير كذلك دفة المُستقبل.. لتعيد صياغة معادلة الطاقة بتنوع واستدامة وسيادة اقتصادية..
قصة “أرامكو”.. قصة لشركة تخطت حدود الصناعة لتصبح ركيزة من ركائز الاقتصاد العالمي.. وهي إذ تحتفل بمرور 92 عاما على تأسيسها.. لم تكن مجرد شركة نفط.. بل عقلا استراتيجيا يرسم ملامح اقتصاد بأكمله.. وتمضي بثقة بين إرث نفطي عميق وطموحات مستقبلية عبر موازنة دقيقة بين الاستدامة والتقنية والسيادة الاقتصادية.. حيث تعيد رسم مشهد الطاقة في العالم.
حوار لا يكتفي بالإجابة.. بل يفتح نوافذ تفكير جديدة حول مستقبل الطاقة.. ومكانة المملكة في معادلات الاقتصاد العالمي..
مستقبل النفط سيبقى واعداً
* أمام الحديث عن انخفاض استهلاك البترول ومحاولات استبداله بطاقة بديلة أو منخفضة الكربون، كما يقال خلال السنوات المقبلة.. كيف ترى مستقبل البترول ومستقبل أرامكو السعودية؟
– منذ ربع قرن ونحن نسمع عن مغالطات انتهاء عصر النفط لكن هذا لم يحدث. لا شك أن توفر إمدادات الطاقة من مصادر تقليدية كالنفط والغاز ومتجددة كالشمس والرياح، ركيزة أساسية للنمو الاقتصادي. ولكن تكاليف الطاقة البديلة والمتجددة ما زالت عالية مقارنة بإمكانات العديد من الدول النامية. فالتوقعات تشير إلى أن 80 في المائة من الطلب العالمي على النفط سيكون من دول الجنوب العالمي بحلول 2050، لعدم قدرتها على التكاليف المصاحبة للطاقة المتجددة. وبالتالي يبقى خيار النفط قويًا لأن تكاليفه معقولة ومناسبة لتلك الدول.
قناعتي أن مستقبل النفط سيبقى واعدًا على مستوى العالم لا سيما في دول جنوب شرق آسيا، وإفريقيا وهي أسواق مهمة لنا. وبالنسبة لمستقبل أرامكو فثقتي كبيرة في أنها ستتبوأ موقعًا مهمًا في جميع سيناريوهات الطاقة المستقبلية، بإذن الله، وذلك لتميّز إمداداتنا بكونها الأقل في تكلفة الاستخراج والأقل في الكثافة الكربونية، إضافة إلى الموثوقية العالية التي بلغت 99.7 في المائة في 2024.
شركة طاقة متكاملة
* كثير من شركات البترول العالمية تحوّلت إلى شركات طاقة، هل ستتحول أرامكو السعودية إلى شركة تنفذ استثمارات في بدائل الطاقة المتنوعة؟
– أرامكو بالفعل شركة طاقة متكاملة. طوّرنا عبر السنوات نموذج أعمال متكامل يشمل النفط والغاز، والبتروكيميائيات، ونستثمر حاليًا في الطاقة المتجددة، مثل الطاقة الشمسية والرياح.
وتستهدف الشركة الاستثمار في مصادر الطاقة المتجددة لتوليد 12 جيجاواط كهرباء من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح بحلول عام 2030، عبر مشاريع مشتركة مع صندوق الاستثمارات العامة وشركة أكوا باور، إضافة لاستثمارات محتملة في شركات أخرى. حققنا تقدمًا في محطة سدير، وهو مشروع كبير بسعة 1.5 جيجاواط، وهناك مشاريع الشعيبة 1 والشعيبة 2 للطاقة الشمسية في منطقة مكة المكرمة، وتبلغ طاقتهما الإجمالية المخطط لها 2.66 جيجاواط. كما تم الإعلان عن الإغلاق المالي لثلاثة مشاريع للطاقة الشمسية في عام 2024، بطاقة إجمالية متوقعة تصل إلى 5.5 جيجاواط. وفي مجال آخر أكملنا الاستحواذ على حصة 50 في المائة في شركة الهيدروجين الأزرق للغازات الصناعية للاستفادة من الفرص الناشئة للطاقة منخفضة الانبعاثات.

التقلبات السوقية في الأسعار
* كيف تواجه أرامكو السعودية التقلبات السوقية في أسعار النفط، وما هي نظرتكم للأسعار على المديين القصير والمتوسط؟
– تستفيد أرامكو من ميزة انخفاض تكلفة الإنتاج لمواجهة تقلبات الأسعار لديها، وكذلك تستفيد من استخدام التقنية كالذكاء الاصطناعي وتقنيات الثورة الصناعية الرابعة. ولا شك أن تقلبات الأسعار تشكل تحديا للمنتجين والمستهلكين، ولكن على مدى 90 سنة، واجهت أرامكو دورات اقتصادية وتقلبات في أسعار النفط وفي كل مرة تثبت الشركة بحمد الله مستوى مرونتها وقدرتها على التعامل مع التقلبات.
أيضًا يعزز من قوة الشركة في مواجهة التقلبات إستراتيجيتها بعيدة المدى، فالشركة لا تخطط على مدى أرباع أو شهور بل عقود، كما أن تنوع محفظة أعمالها يعزز قوتها. فعلى سبيل المثال: إذا انخفضت أسعار النفط فهناك فرصة لدى أرامكو السعودية لتعزيز ربحيتها في قطاع التكرير والكيميائيات. كما أن نمو أعمال الغاز، وخاصة سوائل الغاز الطبيعي توفر مصادر دخل مهمة للشركة.
تقنيات جديدة
* في مجالات البحوث والتطوير لتقنيات جديدة في عالم البترول، أين وصلت أرامكو السعودية في هذا المسار؟
– لدينا نشاط بحثي ضمن منظومة ابتكار محلية وعالمية تضم شبكة مراكز بحثية داخل المملكة وخارجها منتشرة في أربع قارات، كما أننا نتعاون مع معاهد، ومؤسسات بحثية، وشركاء صناعيين. وبحمد الله، تحتل أرامكو المرتبة الأولى بين شركات الطاقة العالمية من حيث براءات الاختراع، ففي 2023، حصلت الشركة على أكثر من 1000 براءة اختراع وهو أعلى عدد من البراءات لأي شركة في قطاع الطاقة ذلك العام.
نحو 63 في المائة من برنامج الابتكار والتطوير لدينا يتركّز في مجال الاستدامة وخفض انبعاثات الكربون. مشاريع الابتكار لدينا كثيرة. مثلا، أرامكو هي أحد المستثمرين في تطوير تقنية الاستخلاص المباشر لثاني أكسيد الكربون من الجو وهي تقنية يمكن أن تغيّر قواعد اللعبة في مواجهة التغيّر المناخي. وفي 2024 قمنا بالتعاون مع شركة سيمنز إنيرجي بإنشاء أول وحدة اختبار تجريبية لهذه التقنية في مجمع البحوث والابتكار بالظهران، وعند استكمال تطويرها فإن ذلك سيمهّد المجال في تطبيقها على نطاق واسع. كما نعمل مع “معادن” لتطوير تقنيات استخلاص الليثيوم من المياه المالحة المرتبطة بمكامن النفط والذي يُستخدم في البطاريات والطاقة المتجددة.
الذكاء الاصطناعي
* كيف يُسهم الذكاء الاصطناعي والتقنيات الرقمية في تطوير أعمال أرامكو؟ وما أبرز أنشطتكم في رأس المال الجريء؟
– أرامكو بقدر ما هي شركة طاقة فهي شركة رقمية بامتياز. لدى الشركة كميات هائلة من البيانات جمعتها على مدار 90 عامًا، وهذه البيانات تمنحنا قوة عند تطوير واستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي. توجه أرامكو في استخدام الذكاء الاصطناعي ليس فقط في التطبيقات المالية والموارد البشرية والخدمات المساندة وإنما في الأعمال الصناعية.
وقد أطلقنا مؤخرًا نموذجًا لغويًا صناعيًا يعمل على 70 مليار معامل يُستخدم في تحليل خطط الحفر والبيانات الجيولوجية، ويوفر توصيات لأفضل خيارات الآبار، إضافة إلى تقديم تنبؤات دقيقة للمنتجات المكررة تشمل التسعير وديناميكيات السوق.
أيضًا معامل النفط والغاز في أرامكو حظيت بالتقدير من المنتدى الاقتصادي العالمي لتميّزها الرقمي. بإدراج خمسة منها ضمن قائمة شبكة المنارات الصناعية المرموقة، وذلك لاعتماد تلك المعامل على تقنيات الثورة الصناعية الرابعة.
وبالنسبة لرأس المال الجريء فهو عنصر مهم في منظومة الابتكار والتطوير التقني في أرامكو محليًا وعالميًا. مثلا لدينا شركة “أرامكو فنتشرز” برأسمال يبلغ 7.5 مليارات دولار لدعم استثمارات الشركات الناشئة العالمية والابتكارية، وهي واحدة من بين الأكبر من نوعها عالميًا.
الأمن السيبراني
* قبل سنوات حدث اختراق أمني لأجهزة أرامكو السعودية، ما التقنيات التي طورتموها لحماية البيانات والبنية التحتية من الهجمات السيبرانية؟
– لا شك أن الأمن السيبراني يشكل تحديًا كبيرًا ومستمرًا خاصة في ضوء التحوّل الرقمي المتزايد الذي يشهده قطاع الأعمال حول العالم، وينبغي اليقظة الدائمة والتطوير المستمر. الحادثة التي تعرضت لها الشركة عام 2012، تعلمنا منها الكثير وزادتنا قوة، فقد طوّرنا منظومة متكاملة تُعد اليوم من بين الأقوى في حماية البنية التحتية من الهجمات السيبرانية عالميًا.
وتركز منظومة الحماية في أرامكو على إنشاء حوكمة قوية للأمن السيبراني، وإجراء تقييمات الأمن السيبراني اللازمة لتحديد نقاط الضعف والثغرات والتعامل معها، وتوفير المهارات الأساسية والمتقدمة للأمن السيبراني لقوتنا العاملة، وتمكين كفاءات الشركة من الابتكار والبحث في مجال الأمن السيبراني. وأنشأت الشركة برنامجًا يُلزم موردي أرامكو بضوابط الأمن السيبراني في الشركة. كما أسّسنا عبر “أرامكو ديجيتال” شركة (سيبراني) لتقديم مجموعة من خدمات الأمن السيبراني المتخصصة لمساعدة الشركات الأخرى.
صناعة الغاز
* كيف ترون مستقبل المملكة في صناعة الغاز على ضوء تطوير أرامكو السعودية لحقل الجافورة؟
– الجافورة من أهم حقول الغاز الصخري في أرامكو. وأكبر حقل من نوعه في الشرق الأوسط. حجم الاستثمار المتوقع فيه أكثر من 100 مليار دولار. ومن المتوقع عند اكتماله أن يسهم بنحو 24 مليار دولار سنويًا في الناتج المحلي الإجمالي للمملكة، وأن يوفر أكثر من 121 ألف فرصة عمل مباشرة وغير مباشرة.
شخصيًا، أرى مشروع الجافورة مثل المستحيل الذي تحقق. وأشكر صاحب السمو الملكي الأمير عبدالعزيز بن سلمان بن عبدالعزيز وزير الطاقة، وفريق عمله على دعم هذا المشروع فهو عنصر أساس في مستهدف رفع طاقة الغاز بنسبة تتجاوز 60 في المائة بحلول 2030 مقارنة بمستويات 2021. والحقل يحتوي على موارد تضم 229 تريليون قدم مكعبة قياسية من الغاز الخام، إضافة إلى 75 مليار برميل من المكثفات. ومن جهة أخرى تقوم أرامكو بتوجيه من وزارة الطاقة بتنفيذ المرحلة الثالثة من توسعة شبكة الغاز الرئيسة، حيث وقّعنا عقودًا بقيمة 8.8 مليارات دولار لتنفيذ التوسعة، والتي ستوصل إمدادات الغاز لعدة مدن ومناطق لم تكن تصل لها من قبل. والعمل جارٍ على عقود أخرى. ومن المتوقع أن الغاز سيلعب دورًا كبيرًا في مستقبل المملكة من جانبين: خفض الانبعاثات الكربونية بعد إحلاله محل الوقود السائل في محطات الكهرباء، والجانب الثاني أنه سيوفر كميات كبيرة من اللقيم لمزيد من الصناعات الكيميائية والتحويلية في المملكة.

القطاع الخاص
* كيف ترون مساهمة القطاع الخاص في الصناعة البترولية في المملكة، وما الوسائل التي اتخذتموها في أرامكو السعودية لتشجيع القطاع الخاص؟
– تعتمد أرامكو في إنجاز أعمالها على الشراكة مع القطاع الخاص الذي يُسهم في رفع مرونة سلسلة التوريد وموثوقيته وخفض تكاليفه. ولتفعيل هذه الشراكة، أطلقت أرامكو عددًا من المبادرات النوعية، أبرزها: برنامج تعزيز القيمة المُضافة الإجمالية لقطاع التوريد في المملكة (اكتفاء). في الواقع نحن فخورون جدا ببرنامج اكتفاء، فقد نجح في رفع مستوى المحتوى المحلي من 35 في المائة في 2015 إلى 67 في المائة حاليًا، وتأسيس 350 مصنعًا جديدًا برأسمال إجمالي يبلغ أكثر من 33 مليار ريال، وضمن هذه الاستثمارات يتم تصنيع 47 منتجًا لأول مرة في السعودية. وتصدر تلك المصانع منتجاتها لأكثر من 50 دولة. كما ساهم برنامج اكتفاء بخلق قرابة 200 ألف وظيفة مباشرة وغير مباشرة في سلاسل إمداد أرامكو وأضاف أكثر من 900 مليار ريال للناتج المحلي.
جذب الاستثمارات الأجنبية والمحلية
* إلى جانب (اكتفاء) ما هي أبرز برامج القطاع الخاص التي تقومون بها؟
– لدينا برنامج نماءات أرامكو وهو برنامج يركز على جذب الاستثمارات الأجنبية والمحلية للمملكة عبر تأسيس شركات كبيرة تدعم منظومة الإمداد والخدمات في أرامكو وفي المملكة في أربعة مجالات هي: الاستدامة، والرقمنة، والتصنيع، والخدمات الصناعية. ويقوم نموذج الاستثمار في برنامج نماءات على إسهام أرامكو بحصة من رأس المال على أن تكون الحصة الأكبر للمستثمرين الدوليين والمحليين. مثال على استثمارنا في مجال التصنيع: مصنع صب وتشكيل المعادن في رأس الخير، ومثال على الاستثمار في الخدمات الصناعية: شراكتنا مع DHL في مجال المشتريات وسلسلة الإمداد، ومثال على الاستثمار في الرقمنة: شراكتنا مع جوجل في الحوسبة السحابية. بلغت استثماراتنا حتى الآن منذ إطلاق البرنامج قبل أربع سنوات حوالي 40 مليار دولار، وهدفنا في ذلك النمو عبر الشراكات والإسهام الإيجابي في نمو اقتصاد المملكة وتنوعه.
وبالنسبة للشركات الصغيرة والمتوسطة لدينا برنامج (تليد) الذي يعمل عبر قطاعات متعددة، لتقديم التمويل والحلول المالية من خلال العديد من الصناديق الوطنية الرئيسة.
تنويع الاقتصاد
* ما هي أبرز مشاريعكم في تنويع الاقتصاد تماشيًا مع رؤية المملكة 2030؟
– تحدثت عن برنامج نماءات الذي يلعب دورا في تنويع الاقتصاد تماشيا مع رؤية 2030، وسأتحدث عن مشروعين سيكون لهما بإذن الله تأثير كبير على الناتج المحلي غير النفطي وتوليد الوظائف: مشروع مدينة الملك سلمان للطاقة (سبارك) ومشروع مجمع الملك سلمان العالمي للصناعات والخدمات البحرية. بالنسبة لمدينة (سبارك) انتهينا من المرحلة الأولى التي استقطبت 60 مستثمرا بقيمة 11 مليار ريال، وتضم أول ميناء جاف في المنطقة الشرقية، ويجري تنفيذ المشروع على 3 مراحل. ويطمح مشروع سبارك عند اكتمال جميع مراحله في 2035 إلى استقطاب أكثر من 250 شركة عالمية ومحلية، وكذلك الإسهام بما لا يقل عن 22 مليار ريال سنويًا في الناتج المحلي. وعلى المدى البعيد تطمح سبارك إلى المساهمة بشكل تراكمي بأكثر من نصف تريليون ريال في الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2050، وأن توفر ما يصل إلى 100 ألف فرصة عمل مباشرة وغير مباشرة.
بالنسبة لمجمع الملك سلمان البحري، أنشأت أرامكو بالتعاون مع عدد من الشركاء مجمعًا ضخمًا يُعدُّ الأكبر في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لتطوير قطاع الصناعات البحرية. وهو قطاع ناشئ وقد يوفر ما يصل إلى 80 ألف وظيفة مباشرة وغير مباشرة، ومن المخطط أن يكون المجمع قادرًا على تصنيع ناقلات نفط عملاقة ومنصات حفر بحرية للزيت والغاز وأكثر من 40 سفينة سنويا، ويخدم أكثر من 260 منتجًا بحريًا سنويًا.
مزيج طاقة أكثر تنوعاً
* مع الاكتشافات الكبيرة للغاز، سوف تصبح المملكة من أهم الدول في إنتاج الغاز. وبالتالي تصديره… هل هذا يعني أن أي انخفاض في نسبة صادرات البترول الخام والمكرر يمكن تعويضه من إنتاج وتصدير الغاز؟
– تعمل أرامكو على تطوير منظومة الغاز الطبيعي والغاز السائل والمكثفات، باعتبارها عنصرًا في التحوّل الوطني نحو مزيج طاقة أكثر تنوعًا، وتحقيقًا لهدف التدرج في حرق الوقود السائل لإنتاج الكهرباء الذي يقدر بنحو مليون برميل في اليوم. وقد استثمرت الشركة خلال السنوات الماضية بشكل منهجي في مشاريع الغاز لرفع مستوى الإمدادات المحلية. أما على المستوى الدولي، فقد بدأت أرامكو بتوسيع استثماراتها في قطاع الغاز الطبيعي المُسال. واستحوذت مؤخرًا على حصة في “مِد أوشن” للطاقة تُمهّد لدخولها أسواق الغاز المُسال في آسيا وأوروبا. وبشكل عام أرامكو تعمل وفق إستراتيجية ترتكز على تعظيم القيمة من كل برميل نفط وكل قدم مكعبة من الغاز. هذا التوجه يُعزز الربحية الإجمالية، ويمنحنا مرونة أكبر في التعامل مع تقلبات السوق العالمي.
محفظة عالمية من المصافي والشركات التابعة
* لأرامكو شركات تابعة لها في دول حول العالم كأمريكا والصين وغيرهما لتكرير البترول، سؤالي: هل فائدة بيع البترول المكرر وإنشاء شركات في تلك الدول يدر عائدًا أكبر من عائدات تصدير البترول الخام؟
– نستهدف امتلاك محفظة عالمية من المصافي والشركات التابعة في الأسواق الكبرى، تُسهم في تعظيم القيمة المضافة من كل برميل نفط، وتأمين منافذ للبيع قريبة للعملاء.
وكما تعلمون فإن تصدير النفط الخام يُحقق قيمة مباشرة، لكن تحويله إلى منتجات مكررة أو بتروكيميائية في أسواق الاستهلاك النهائية يحقق هوامش ربحية إضافية، ويقلل من تأثير تقلبات أسعار النفط الخام. على سبيل المثال، استثمارات أرامكو في مصافي التكرير في الصين وكوريا الجنوبية والولايات المتحدة وغيرها تحقق عدة أهداف:
o ضمان منافذ بيع مستقرة ومباشرة للنفط في أكبر أسواق الاستهلاك.
o تعزيز أمن الطاقة لتلك الدول من خلال وجود استثمارات محلية، مما يُرسّخ علاقات إستراتيجية طويلة المدى.
o توسيع منافذ وقنوات البيع عالميًا.
o تحسين التوزيع الجغرافي للإيرادات وتقليل الاعتماد على سوق أو منتج واحد.
السعودة
* ما نسبة الأجانب في وظائف الشركة الرئيسة والحساسة، وهل لدى الشركة برنامج زمني محدد لإحلال السعوديين محل الأجانب في هذه الوظائف؟
– أرامكو شركة عالمية لها حضور وانتشار عالمي ويعمل فيها أكثر من 75 ألف موظف وموظفة 90 في المائة منهم سعوديون، والنسبة المتبقية يمثلون أكثر من 90 جنسية. هذا التنوع مفيد، ومن الضروري أن يستمر للحصول على أفضل العقول والكفاءات والخبرات الوطنية والعالمية في عشرات التخصصات الدقيقة وفي مجالات الأعمال التقليدية والناشئة. وأنا فخور جدا بمستوى السعودة ومستوى التنوع في أرامكو، ودائمًا ما أذكر أن صناعة أرامكو الأساسية ليست البترول بل صناعة الكفاءات ولا سيما الكفاءات الوطنية. والشركة تفخر بأن جميع المشغلين لديها سعوديون بنسبة 100 في المائة، وكذلك أعضاء إدارتها العليا، وأن الأغلبية العظمى من الإدارة التنفيذية سعوديون.
اكتفاء ذاتي بالكوادر الوطنية
* امتدادًا للسؤال السابق.. هل هناك اكتفاء ذاتي من السعوديين المتخصصين في نشاطات الشركة في مجال الاستكشاف والحفر والإنتاج والتسويق وجميع الأعمال الإدارية المهمة؟
– تفخر أرامكو بكوادرها البشرية، وهناك اكتفاء ذاتي بنسبة كبيرة معزز بالتنوع العالمي الذي يعد ضروريا لشركة عالمية مثل أرامكو. ونسبة السعوديين في جميع الوظائف والتخصصات الواردة بسؤالك – تفوق الـ 90 في المائة – بالرغم من كون بعض هذه الوظائف متخصصة للغاية وتتسم بالندرة في سوق العمل بشكل عام. فأبناء الوطن بحمد الله يشغلون الأغلبية العظمى وبنسبة عالية في جميع المواقع الإنتاجية التي تتطلب أعلى المهارات والقدرات ويؤدون أدوارًا حيوية ومهمة في أعمال الشركة بمختلف اختصاصاتها.
انعكاس نمو الصادرات غير النفطية
* تحتل المملكة المركز الأول عالميًا في صادراتها من البترول الخام بما يشكل نسبة مهمة من دخل المملكة، هل تتوقع أن تستمر صادرات البترول الخام والمكرر على ما هي عليه أم أنها أمام تقلبات منتظرة بحساب العرض والطلب، في مقابل ارتفاع نسبة الصادرات غير النفطية، أي أن الاعتماد على السلعة الواحدة في دخل المملكة أصبح من الماضي؟
– تنويع الاقتصاد الوطني ونمو الصادرات غير النفطية هو انعكاس لمستهدفات رؤية 2030. ولكن من المهم ملاحظة أن نمو الصادرات غير النفطية لا يعني تراجع الصادرات النفطية. رؤية 2030 تحفز النمو في جميع الاتجاهات ودعم الاقتصاد واستقرار نموه بعدم الاعتماد على مصدر واحد. أرامكو تسهم في ذلك التوجه عبر الاستثمار خارج قطاع النفط، وتوطين سلاسل التوريد، وابتكار مسارات طاقة جديدة ومن خلال استثماراتها الطموحة في تحويل النفط إلى كيميائيات؛ مما يجعل هذه الصادرات مكمّلة لصادرات النفط. كما يعكس نقلة نوعية مهمة نحو تعزيز مصادر الدخل وتوسيع قاعدة الاقتصاد بما يُعزز استدامته.
أرامكو، بما تمتلكه من مزايا تنافسية فريدة، قادرة على المحافظة على مكانتها الرائدة عالميًا في صادرات النفط الخام والمنتجات المكررة، مع بروز قطاعات جديدة وغير نفطية في الاقتصاد الوطني.
الاستحواذ على حصة الأغلبية في “سابك”
* تمتلك أرامكو السعودية 70 في المائة من رأسمال شركة سابك، هل يمكن لكم تفسير أهداف أرامكو السعودية باستحواذها على هذه النسبة العالية في ملكية شركة سابك، وعائدها من هذا الاستحواذ على شركة أرامكو حاضرًا ومستقبلًا والمصلحة في هذا الاستحواذ لكل من أرامكو السعودية وسابك؟
– بالنسبة لأرامكو ساعد الاستحواذ على حصة الأغلبية في “سابك” في تسريع التحول من شركة نفط إلى شركة طاقة وكيميائيات متكاملة وخاصة أن قطاع الكيميائيات يُتوقع أن يكون من أسرع القطاعات نموًا في الطلب على النفط الخام حتى عام 2040. وبالنسبة لـ”سابك”، تؤّمن صفقة الاستحواذ الحصول على إمدادٍ مستقرٍ من اللقيم يُسهم في توسّع وصول سابك إلى أسواق جديدة. كما يساعد الاستحواذ في تكامل القدرات وتعزيز التنسيق المشترك وتحقيق الوفورات بين الشركتين في مجال التوريد، وسلسلة الإمداد، والتصنيع والتسويق والمبيعات. كما أن الاستحواذ يساعد على التوسّع العالمي المشترك والوصول إلى شريحة أكبر من العملاء.
زيارة الرئيس الأمريكي للمملكة
* ما تأثير زيارة ترمب للمملكة على تعزيز الشراكة بين أرامكو والشركات الأمريكية؟
– منذ تولي ترمب الرئاسة الأمريكية لاحظنا قدرًا أكبر من الواقعية في الحوارات المتعلقة بواقع ومستقبل صناعة الطاقة العالمية ودور النفط والغاز فيها، وكذلك حجم الاستثمارات. وبالنسبة لزيارة الرئيس ترمب للمملكة أبرمت أرامكو أثناء الزيارة 34 اتفاقية ومذكرة تفاهم مع شركات أمريكية بقيمة محتملة تزيد على 90 مليار دولار في مجالات تشمل سلاسل الإمداد وتوسعات مجمعات المصافي والكيميائيات ومشاريع الغاز المُسال والتقنيات الرقمية والذكاء الاصطناعي والاستثمارات المالية.
على سبيل المثال تمتلك أرامكو مصفاة موتيفا وهي الأكبر في أمريكا الشمالية، وتقوم الشركة بعمل توسعة في تلك المصفاة لزيادة ربحيتها عبر تعزيز تكاملها مع إنتاج المواد الكيميائية.
الاستحواذ على نادي القادسية
* استحوذت أرامكو على نادي القادسية، ويلاحظ أن الشركة لديها رعايات رياضية مختلفة كالغولف ورياضات السيارات.. ما تعليقكم على ذلك؟
– مشاركة أرامكو مع نادي القادسية هي امتداد لتاريخنا الطويل في المشاركة المجتمعية، التي نهدف من خلالها إلى قيادة مبادرات اجتماعية مؤثرة تلهم المجتمعات وترتقي بها. الرياضة اليوم لها تأثير إيجابي ليس فقط على الصحة البدنية بل على الصحة النفسية وعلى جودة الحياة في المجتمع والتنمية الاقتصادية.
وبالنسبة لنادي القادسية تربطه بأرامكو علاقة تاريخية تمتد لعشرات السنين، حيث كان لموظفي الشركة دور بارز في تأسيسه. وكان الأستاذ على البلوشي أحد موظفي أرامكو المتقاعدين حاليًا، أول رئيس له سنة 1967 عندما اندمجت عدة أندية وأسست نادي القادسية بوضعه الحالي. أيضًا كان رئيس أرامكو الأسبق الأستاذ عبد الله جمعة حارس المرمى.
وفي الحقيقة، هدفنا من الاستثمار في نادي القادسية ليس فقط إحراز بطولات، بل زيادة تنافسية النادي بما يسهم في تنمية الرياضة بالمملكة في العديد من الألعاب. والنادي مثال واحد ضمن أمثلة كثيرة لدورنا في إحداث تأثير إيجابي ودائم على الفرد والمجتمع، وهو جزء من شبكة واسعة من الشراكات الرياضية العالمية لأرامكو تضم أيضًا كرة القدم وفورمولا 1 والغولف للسيدات.