تشهد ثقافة التعلم المستمر زيادة مطردة في المملكة العربية السعودية، مدفوعة بإدراك أهمية إعادة تشكيل المهارات وصقلها في استقطاب أفضل المواهب والاحتفاظ بها. وتمثل هذه النقلة ركيزة أساسية في استراتيجية التحول الرقمي الطموحة للمملكة، والتي تكمن في صميم رؤية السعودية 2030.
في الوقت الذي تقوم فيه المملكة بزيادة إنفاقها على التكنولوجيا، تأتي الشركات العالمية لتحذوا حذوها أيضاً. إذ تعهدت هذه الشركات باستثمار ما يزيد عن 9 مليارات دولار في المملكة هذا العام، لتعزيز وجودها في السوق الرقمية الأسرع نمواً في المنطقة.
وترافق هذه الاستثمارات الكبيرة في التقنيات المتطورة جهوداً أخرى لتعزيز الخبرات المحلية في قطاع الرقمنة. على سبيل المثال، يهدف تخصيص 1.2 مليار دولار في عام 2021 إلى تطوير المهارات في مجال الأمن السيبراني والبرمجة ووظائف الذكاء الاصطناعي بحلول عام 2030، لتلبية متطلبات فرص العمل المستقبلية.
وأبان الاستاذ قيس الزريبي، المدير العام لمنطقة الشرق الأوسط وأفريقيا، “كورسيرا” حرص المملكة على تنمية الموارد البشرية، لا سيما في المهارات الرقمية المتقدمة، في ترسيخ مكانتها وجعلها منافساً رائداً في إتقان المهارات التقنية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، كما ورد في أحدث نسخة من تقرير المهارات العالمية.
مشيراً إلى أن هذه النتائج تتوافق مع استطلاع المنتدى الاقتصادي العالمي، الذي كشف أن 42% من الشركات في جميع أنحاء العالم تعطي الأولوية للتدريب في مجال الذكاء الاصطناعي ومهارات البيانات الضخمة على مدى السنوات الخمس المقبلة.
ورغم تزايد فرص العمل في مختلف القطاعات داخل المملكة، إلا أنه من الأهمية بمكان تقييم مدى استعداد وجاهزية القوى العاملة لتلبية متطلبات العمل في المستقبل. ويكمن التحدي الكبير في عدم التوافق بين مخرجات التعليم العالي والمتطلبات الحقيقية لسوق العمل. لذا، من المهم تحديد ما إذا كانت أماكن العمل توفر فرصاً مناسبة للموظفين لاكتساب مهارات جديدة والتقدم والتطور في حياتهم المهنية.
ولسد هذه الفجوة، يلعب التعاون بين المؤسسات الأكاديمية والشركات دوراً مهماً في هذا الشأن. فمن خلال إبرام الشراكات، يمكن للجامعات والشركات المواءمة بين مناهجها وبرامجها التدريبية مع الاحتياجات المتطورة لسوق العمل، بما يضمن امتلاك الخريجين المهارات والمعارف اللازمة التي يطلبها أصحاب العمل.
ولسد فجوات نقص الخبرة على نطاق أكبر وأوسع، سيكون تعزيز ثقافة التعلم المستمر أمراً على قدر كبير من الأهمية، لا سيما لدى الأفراد في المجالات المتدنية. وهنا يبرز دور التعلم عبر الإنترنت بنهجه الذي يركز على اكتساب المهارات، ليوفر منصة متكافئة للأفراد الحاصلين على تعليم عالٍ أو بدونه، وتزويدهم بالمهارات التي يبحث عنها أصحاب العمل.
من خلال الاستثمار في مبادرات تطوير وصقل المهارات والتأكيد على أهمية التعلم مدى الحياة، يمكن للمملكة أن تعالج بشكل فعّال فجوات المهارات ودفع التغيير التحويلي على نطاق واسع.
هذه الجهود لن تسهم في مساعدة الأفراد على مواكبة المتطلبات المتغيرة لسوق العمل فحسب، بل ستعمل أيضاً على ترسيخ مكانة المملكة بلداً رائداً في الاقتصاد الرقمي، والاستفادة من فوائد توسعها الاقتصادي وتنمية الكوادر البشرية.