الرياض – سعد المصبح
أكد عدد من المختصين أن المجتمع السعودي أصبح على قدر عالٍ من التعايش وتقبل الآخر وذلك بفضل التغيرات التي طرأت عليه والانفتاح على ثقافات العالم وذلك من خلال الانفتاح الثقافي والحضاري والسياحي الذي عزز تلك المفاهيم لدى المجتمع، ورسم صورة لدى الآخرين عن المجتمع السعودي، لافتين إلى أن رؤية 2030 عززت قيم التسامح وتقبل الآخر لدى المجتمع من خلال استخدام أحدث مبادئ الحوار مع الآخر والمختلف دينيا وثقافيا، وأعادت إحياء قيم القبول والتسامح والتبادل الإنساني والثقافي مع مختلف الثقافات.
وأوضح جعفر الشايب، المشرف على منتدى الثلاثاء الثقافي، أن لدى الكثيرين نظرة غير دقيقة حول اتجاهات المجتمع السعودي لتقبل الآخر، حيث يعتقدون أن المجتمع السعودي بوصفه منغلقا من وجهة نظرهم فإن ذلك ينعكس على علاقته بالآخر وعدم تقبله له. وبلا شك فإن الانحياز للانتماءات الأولية الضيقة كانت مشهودة بشكل كبير، وزادت هيمنة وانتشار الفكر المنغلق في المرحلة الزمنية الماضية من تكريسها مما أعطى صورة سلبية حول المجتمع السعودي لكن المتفحص في الحالة الاجتماعية السعودية يرى فيها حالة جيدة من الانفتاح وتقبل الآخر متى ما أزيل ركام الأحادية وترك المجتمع على حالته الطبيعية، فالتعايش الذي كان ولا يزال سائداً لدى مختلف المكونات الاجتماعية كان بحاجة لمن يكشف عنه الغطاء ويجعله ينطلق بكل حرية في الفضاء العام وهذا ما كشفت عنه التحولات الاجتماعية ورؤية ٢٠٣٠ حيث فسحت المجال أمام المجتمع بكل تنوعاته وتشكيلاته أن يعود للظهور على طبيعته واستحضار التنوع في ثقافته وتراثه وتقاليده وقال: هذه الحالة تقود بصورة طبيعية إلى الشعور بالتوازن الاجتماعي وبالتالي تخفيف حدة التوترات الاجتماعية ومحاولات البعض للهيمنة على مكوناته وبالتالي فإنها تنعكس أيضا على تعزيز ثقافة الاعتدال في المجتمع التي تحتاج إلى توعية شاملة بها بما يزيل الآثار السلبية للمراحل الماضية إن الانحرافات الفكرية عادة ما تنمو في بيئات التشدد والاحتكار والهيمنة الاجتماعية وهو يتضاءل في البيئات الاجتماعية التي يسود فيها الاعتدال والانفتاح وتقبل الآخر ولفت إلى أن ما نشهده اليوم من تحولات واضحة في هذا المجال حيث أصبح تداول الرأي والفكر وإبراز أشكال التنوع والانفتاح على الآخر من أبرز سمات هذه المرحلة الحاضرة، ونتطلع جميعا إلى أن تترسخ هذه الظواهر في المجتمع عبر الدور الإعلامي والثقافي الذي يعول عليه كثيرا في تعزيز حالة الانفتاح على الآخر عبر التعريف به وبثقافته وموروثه الشعبي بكل موضوعية وتقدير.
من جانبها قالت الكاتبة والإعلامية سهوب بغدادي: التعايش مع الآخر يأتي من خلال الانفتاح الثقافي والسياحي ومن خلال السياحة والترويج لها، وخلال العامين الماضية شهدنا اختلافا على الصعيد المجتمعي، وحين يكون الانفتاح على الشعوب الأخرى من خلال المرافئ والموانئ يكتسب الشعب ثقافات وعادات من شعوب أخرى وحتى اللغات أيضا يكتسبها، ونرى ذلك من خلال المنطقتين الشرقية والغربية وأيضا المناطق الحدودية يكون هناك اختلاف في الثقافات وامتزاج، بالتأكيد السياحة والانفتاح في المجتمع اليوم يسهم في تعزيز التعايش بشكل ملحوظ، والتعايش مع الآخر موجود في المجتمع منذ وقت مبكر والشعب السعودي بطبعه مضياف وكريم، ولكن من ناحية تقبل الآخر والاختلاف معه أصبح اليوم أفضل باعتبار أن هناك شريحة كبيرة جدا من الشباب والشابات في المجتمع عادوا من بعثات خارجية والتي بدأت من عام 2010 وكل هذه التجارب أسهمت في إكساب المجتمع خبرات عديدة وتطلعه على ثقافات وحضارات جديدة ومنها أيضا تعزيز مبدأ التعايش والتسامح والاعتدال.
من جانبه أوضح سعيد بن علي آل مرضمة رئيس النادي الأدبي الثقافي بنجران أن للحوار أشكالا وممارسات وأبعادا تتجاوز مفهوم المواجهة والاختلاف وإبطال معتقدات الآخر واحتكار الحقيقية الواحدة وذكر آل مرضمة أن نتائج مؤشر التلاحم الوطني الذي أعدته إدارة الدراسات والبحوث بمركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني في وقتٍ سابق وشملت 6722 مواطنا ومواطنة في ثلاث عشرة منطقة إدارية تضمنت 15 مدينة من مختلف مناطق المملكة، حيث بلغت نسبة التلاحم الاجتماعي الثقافي 87.72%، تمثل دليلاً على المستوى العالي من الشعور بالانتماء وتقبل الآخر لدى المجتمع، وبلوغ نسبة التلاحم الأمني 86.55% يشير أيضاً إلى الإحساس المتنامي لدى المواطنين بخطورة الفكر المتطرف على أمن وطنهم وضرورة مواجهة كل ما يهدد النسيج الاجتماعي.
وقال: نجد أيضاً في رؤية المملكة 2030 أن الانفتاح على العالم أحد أهم منطلقات هذه الرؤية، ومن أهم أهدافها وركائزها، حيث تحركت المملكة في استخدام أحدث مبادئ الحوار مع الآخر والمختلف دينيا وثقافيا، وأعادت إحياء قيم القبول والتسامح والتبادل الإنساني والثقافي مع مختلف المجتمعات.
وقال لقد بدأت الرؤية بالإصلاح من الداخل وأزاحت كابوس الفكر المتشدد الذي كان يجثم على كل الجماليات المخزونة في ثقافتنا ونجحت بعزم ودقة بالغة وأظهرت للآخر في كل أرجاء العالم الوجه المضيء على هذه الأرض بإرثها الحضاري الكبير.
وأشار إلى أنه بمجرد تحرير إمكانات الفرد وحرياته وطاقاته من وطأة الوصاية والرأي الأحادي، تفجرت إمكانات هذا الإنسان الجمالية في كل المجالات، الفنون والثقافة والإبداع والتواصل مع الآخر بالموسيقى والفنون البصرية وكل العلاقات والمشتركات الانسانية وبين أن برامج الرؤية انعكست بشكل رائع على المجتمع وعلى نظرته للآخر، وعندما نتحدث عن الآخر فهو لا يقتصر على العالم الغربي؛ بل يتجاوز ذلك إلى الوشائج والروابط التي صنعتها الرؤية مع ثقافة الشرق الساحرة في الصين والهند واليابان وكوريا ومن أعماق أفريقيا إلى قصر الكرملن في روسيا، ولا ننسَ البلدان العربية الأقرب التي ترى في رؤية السعودية حلم استعادة ثقافة العرب إلى مكانتها الحضارية التي تستحقها.
ومن خلال ذلك كله نتوصل إلى أن الرؤية المتوقدة قد فتحت آفاقا كانت تحتكرها ثقافة التطرف في حقيقة واحدة ونهائية لا تقبل الآخر، وبإمكاننا القول إن الرؤية حررت علاقتنا بالآخر في كل الاتجاهات الدينية منها والسياسية والثقافية والفنية والإنسانية بمعنى أن الرؤية أخرجت ثقافتنا إلى الآفاق الرحبة واللامتناهية في لقاء الآخر والحوار معه واحترامه.
من جهته قال المحامي محمد بن حمد المري: بالنسبة للشعب السعودي وتقبل الآخر فهذا ملموس بشكل كبير من حيث تفاعل المجتمع السعودي مع الوافدين سواء الإخوة العرب أو غيرهم من الجنسيات التي تعيش بيننا، والذين يشكلون نسبة ليست بصغيرة ناهيك عن تعايش الشعب فيما بينه بغض النظر عن مختلف مناطقهم وثقافتهم من شتى مناطق مملكتنا الغالية وهذا ما يحميه نظام الحكم الأساسي.
وبين أن المجتمع السعودي يقوم على أساس من اعتصام أفراده بحبل الله، وتعاونهم على البر والتقوى، والتكافل فيما بينهم، وعدم تفرقهم مؤكدا أن رؤية المملكة 2030 تعزز قيمة التعايش، حيث أن التجارة والاقتصاد كانت دوما رافداً مهماً للتبادل الثقافي والحضاري ونقل الثقافات بين المجتمعات ومع انفتاح المملكة واستقبالها للسياح وتيسير ذلك سيجعل المواطن السعودي باحتكاك دائم مع مختلف الشعوب والثقافات وكما هو معلوم أن الانحراف الفكري مصدره الجهل، والإنسان بطبعه عدو ما يجهل فعندما ينتفي ذلك ويتعامل الفرد مع مثيله من الشعوب الأخرى سيضمحل كل من الجهل والخوف والانحراف الفكري.