يتم تحديد نشاط الفراغ من الأشياء التي تتحرك بداخله سواء كان انسانا أو وسائل نقل مختلفة أو حيوانات، فالأنشطة الإنسانية في الفراغات العامة هي التي تحدد ملامح الفراغ وطابعة وصفاته ، وتبعا للوظيفة او الأنشطة التي صمم من اجلها الفراغ العام تدخل الأنشطة والوظائف في الفراغات كجزء من الصورة البصرية وأحيانا يأخذ الفراغ اسم النشاط فيقال مثلا ( ميدان السوق – ميدان المحطة ) .
كما أن دراسة طبيعة السلوك الإنساني المرتبط بالمكان و الذي يترجم عبر التفاعل في الفراغ بكل صوره من تطبيقات مختلفة من العناصر الأساسية المؤثرة على المكان سواء بالنسبة للفراغ المعماري أو العمراني، حيث ترصد و تشرح ما يفعله الإنسان داخل فراغه، و تساعد لاحقا في توجيه التصميم نحو بيئة تحقق تلبية احتياجات الفرد الاجتماعية.
إن تأثير الفراغات العمرانية داخل الأحياء السكنية في حياة الناس مهم جدا حيث أنها الوعاء الاجتماعي الذي يتم فيه تشكيل العلاقات الاجتماعية بين السكان، فعندما يتم تحقيق بيئة عمرانية ناجحة فهذا يؤثر على حياة السكان من النواحي النفسية والأمنية وكذلك الاجتماعية لا سيما عندما يتم تعزيز الفراغات بأنشطة تحفز على التفاعل الاجتماعي بين السكان .
لذلك من المهم التعرف على الأنماط الأساسية للأنشطة التي تحدث في الفراغ وهي كالتالي :
الأنماط الأساسية للأنشطة :
تقسم الأنشطة في الفراغات العمرانية من حيث حركة الإنسان بداخلها الى نشاطين أساسيين هما :
- أنشطة الحركة : والتي يتوافق معها فراغات للحركة .
- أنشطة الاستقرار : والتي يتوافق معها فراغات للاستقرار
كما ذكر(هويدي،2012)بأن إن التواجد الإنساني والاجتماعي في الفراغ العام عن طريق مستعملي الفراغ وما يقومون به من أنشطة، فعاليات، سلوكيات وممارسات يعتبر أحد المصادر الحسية المهمة الصادرة عن الإنسان المدرك للفراغ الذي يتواجد داخله، فهي تمثل عنصرا حيا بالمقارنة مع العناصر المادية الاخرى الجامدة، وتتوقف المعلومات الناتجة من هذه المصادر الحسية على نوع هذه الأنشطة داخل الفراغ.
تحدد طبيعة و شدة النشاط ونوعه داخل الفراغ و بالتالي فإنه يحدد مدى الاتصال و التفاعل الاجتماعي الناتج عن هذه الأنشطة داخل الفراغ، و قد قسمها المعماري Jan Gchl في كتابه “Life between Buildings ” الى ثلاثة أنواع:
- أنشطة أساسية أو ضرورية (Neccssary Activiucs): تحدث بصورة يومية أو دورية، وتلبي احتياجات ضرورية للمستعمل و تساهم في توجيه الانسان ذهنيا لتلبية هذه الاحتياجات داخل الفراغ.
- أنشطة اختيارية (Optional Activitics): وتحدث اذا توافرت الرغبة لدى الأفراد لحدوثها، و ممارستها إذا توفر الوسط المناسب لذلك كالأنشطة الترويحية أو الترفيهية.
- أنشطة اجتماعية (Social Activitics): تكون نتيجة للنوعين السابقين و تتمثل في الاتصال الاجتماعي الاختياري الذي يحدث بين الأفراد نتيجة تواجدهم في نفس الفراغ و يأخذ هذا النوع من النشاط أشكالا متعددة تتوقف على طبيعة الأفراد و رغبتهم في النشاط أو الاتصال وهو المقصود في هذه الدراسة.
عندما تكون جودة الفراغات العمرانية سيئة تحدث الأنشطة الضرورية فقط ولكن الأنشطة الاختيارية والأنشطة الاجتماعية لا تحدث الا عندما تكون جودة الفراغات العمرانية عالية ، كما سيتم التطرق للأنشطة الاجتماعية لاحقا لأنها من ضمن نطاق البحث .
النشاط | جودة الفراغ العمراني | |
جيدة | سيئة | |
أنشطة أساسية وضرورية | تحدث | تحدث |
أنشطة اختيارية | تحدث | لاتحدث |
أنشطة اجتماعية | تحدث | لاتحدث |
جدول(2-1) علاقة الأنشطة بجودة الفراغ العمراني
أ- الأنشطة الاجتماعية:
تمثل الأنشطة الاجتماعية الخلية الأساسية في فراغ الحي السكني فبدون هذه الأنشطة لا يعتبر الفراغ ناجح اجتماعيا حيث أنها تلعب دورا رئيسيا في تقوية الروابط الاجتماعية بين سكان الحي ، فعندما يتم اغفال الأنشطة الاجتماعية في الحي السكني يختفي التفاعل الاجتماعي بين السكان مما ينتج عنه تهالك الحي من الناحية الاجتماعية .
إن الأنشطة الاجتماعية هي تلك الأنشطة التي تعتمد بشكل رئيسي على وجود شخصين أو أكثر حيث ذكر (Carmona,2007)بأن الأنشطة الاجتماعية هي جميع الأنشطة التي تعتمد على وجود الآخرين في الأماكن العامة. وتشمل الأنشطة الاجتماعية لعب الأطفال، المقابلات والمحادثات، الأنشطة المجتمعية بمختلف أنواعها وأخيراً النشاط الاجتماعي الأكثر انتشاراً التواصل الغير فعال وهو مجرد رؤية وسماع أشخاص آخرين.
إن الأنواع المختلفة من الأنشطة الاجتماعية تحدث في كثير من الأماكن: في السكن و في الفراغات الخارجية الخاصة، الحدائق والشرفات في المباني العامة و أماكن العمل وما إلى ذلك، لكن في هذا السياق من الأنشطة الاجتماعية فقط يرتكزعلى تلك الانشطة التي تحدث في الاماكن المتاحة للجمهور تلقائياً وكنتيجة مباشرة لتحرك الناس عن كونهم في نفس الفراغ. وهذا يعني أن الأنشطة الاجتماعية غير مدعومة بشكل كامل كدعم الأنشطة الضرورية كما تختلف طبيعة الأنشطة الاجتماعية اعتماداً على السياق التي تحدث فيه، حيث يمكن للأنشطة الاجتماعية في الأماكن العامة تكون شاملة تماماً: المقابلات، المحادثات، المناقشات، واللعب.
وهذا يؤكد بأن التفاعل الاجتماعي في الفراغات العمرانية ليس مجرد حركة للمشاة أو أنشطة اجتماعية وترفيهية. التفاعل الاجتماعي في الفراغات يشمل مجموعة كاملة من الأنشطة التي تجمع وتفعل فراغات المناطق السكنية ذات الأهمية.
بالنظر الى مشهد الفراغ الذي كان نقطة البداية لتحديد الفئات الثلاث من الأنشطة الخارجية، يمكن رؤية مدى ضروريتها. الأنشطة الاختيارية والاجتماعية تحدث في نمط متداخل بشكل رائع. حركة الناس، الجلوس، والتحدث ، ولكن كل من الأنشطة الضرورية والوظيفية و الأنشطة الاختيارية والترفيهية قد تم دراستها تماماً على مر السنين في سياقات مختلفة بعكس الأنشطة الاجتماعية التي حظيت باهتمام أقل بكثير .
2- أهمية الترابط الاجتماعي في الأحياء السكنية:
تنبع الاحتياجات الاجتماعية ضمن الفراغات العمرانية من ثقافة وتقاليد المجتمع لذلك فهي تختلف في الإطار العام من منطقة لأخرى وفقاً لاختلاف الثقافات والحضارات حيث تعتبر ثقافة المجتمع هي المحرك الرئيسي للخيارات الناتجة عن افراده، فهي تعكس طريقة حياة المجتمع وتعبر عن قيمه ومبادئه، وبناء على هذه المبادئ يحدد المجتمع طريقة تفاعله مع الفراغ واحتياجاته الوظيفية داخله.
إن العزلة تشير إلى الغياب التام أو شبه التام للتواصل مع المجتمع، وهي لا تشبه الوحدة التي تحدث بشكل مؤقت نتيجة تعرضك لحالة نفسية أو ظرف طاريء يؤثر على تواصلك مع الآخرين . ويمكن أن تمثل العزلة الاجتماعية مشكلة لأي شخص ، فقد تظهر على كل فئة عمرية ويحتمل أن ينشأ عنها مشاعر الوحدة والخوف من الآخرين أو انخفاض تقدير الذات الذي يؤدي الى التعرض لأضرار نفسية حادة (British Columbia Ministry of Health, 2004). ، من هنا تكمن أهمية الترابط الاجتماعي بين سكان الحي وذلك لما لها أثر نفسي إيجابي على صحة الإنسان .
كما أن هناك سبب آخر يمثل حجر الزاوية في أهمية نجاح الترابط الاجتماعي في الأحياء السكنية ألا وهو وجود النشاطات الجماعية ، فمن المعلوم أن الغالبية العظمى من النشاطات تتم بشكل جماعي، وهذه من خصائص النشاطات هو حدوثها بشكل جماعي ، إلا أن الأمر تبدل في مجتمع المدينة حيث حدث تغير في نمط النشاط، فتحول جزء كبير منه إلى الفردية أكثر منه إلى الجماعية، وليس ذلك عائد إلى طبيعة النشاط ذاتها وإنما إلى بيئة النشاط فلم يعد ثمة مكان للأنشطة في الأحياء كما كان الوضع سابقاً، حيث هناك ضعف في العناصر التصميمة والتي لا تتيح أماكن لعب لالتقاء أطفال الحي الواحد أو نسائهم أو شبابهم، بل ما يغلب عليهم نتيجة انعدام البيئة المكانية هو الانعزال في السكن الفردي وممارسة أنشطة تتناسب مع الوضع الراهن ، وغالباً ما تكون الأنشطة أنتجت عزلة للفرد وبعداً عمن حولها دون شعور منه، وهذا موجود بكثرة في أحياء مدينة الرياض.
3- الأنشطة المتبادلة بين الإنسان والفراغ :
العديد من الأنشطة التابعة للسكن والحياة الاجتماعية لا يمكن تطورها فقط داخل المسكن بل انها تحتاج لفراغ إبداع أكبر، يمكن أن تتكفل به مجالات تكميلية، خارج السكن، جماعية أو مشتركة، وجزء كبير من السكان يفضل أماكن تتعلق بالمقام الأول بالسكن وبمحيطه القريب. كما ذكرت (هويدي ،2012)أن هناك ثلاث مجموعات رئيسية تعرض مؤشرات العلاقة من خلال التفاعلات المتبادلة بين الإنسان والمكان حيث تم تقسيمها الى:
- ما يشعر به الإنسان تجاه المكان: التي تمثل مستوى أعلى من الثقافة: وتشمل الافكار والمعتقدات التي تتولد لدى الإنسان تجاه المكان، ويتم التعبير عنها بصورة مباشرة وأكثر بساطة من تلك التي يتم التعبير بها عن المعتقدات (رهبة ، راحة ، استرخاء )
- ما يفعله الإنسان بالمكان: وهو ما يرتبط بالتغييرات والتأثيرات التي يحدثها الإنسان على المكان كتغيير المكان عن طريق اضافة جلسات وأثاث تعطي للمكان احساس آخر .
- ما يفعله الإنسان في المكان: هو مؤشر يشمل الأنشطة والسلوكيات التي يمارسها أفراد المجتمع داخل الفراغ وتؤثر عليه بحيث يكون النشاط هو المؤثر على الفراغ ويسمى الفراغ باسمه، فمن الممكن ان يكون لفراغين نفس الخصائص الفيزيائية ولكن كل فراغ نشاطه يختلف عن الآخر نتيجة تأثير الإنسان فيه ويمكن أن نقسم ما يفعله الإنسان في المكان إلى مجموعة من التفاعلات، الأنشطة و الاستعمالات ألتي تظهر في الفراغ.
(خلاصة تشمل ضعف العناصر التصميمية في الاحياء السكنية وايجاد الهدف الرئيسي من تصميم الفراغ وجودة الفراغ عامل رئيسي لحدوث الأنشطة الاجتماعية )
حسام بن عاتق السهلي