رئيس الوزراء المُكلف سعد الحريري الذي سماه رئيس الجمهورية الخميس لتشكيل حكومة بعد عام على استقالته على وقع غضب شعبي، رجل أعمال دفعه اغتيال والده الملياردير رفيق الحريري إلى دخول معترك السياسة.
وأمضى الحريري “50 عاماً” جزءاً كبيراً من حياته خارج لبنان، خصوصاً في السعودية حيث جمع والده، مؤسس تيار المستقبل السياسي، ثروة طائلة.
ودخل معترك السياسة بعدما طالبته عائلته بإكمال مسيرة والده الذي اغتيل في 14 فبراير 2005 في تفجير مروع في وسط بيروت أغرق لبنان في أزمة كبرى.
وقاد الحريري آنذاك فريق “قوى 14 ” المعادي لسوريا إلى فوز كبير في البرلمان، ساعده في ذلك التعاطف الكبير معه بعد اغتيال والده، والضغط الشعبي الذي تلاه وساهم في إخراج الجيش السوري من لبنان بعد نحو ثلاثين سنة من تواجده فيه.
وانخرط الحريري في الحياة السياسية محاولاً التعايش مع حزب الله المدعوم من طهران ودمشق والحدّ من نفوذه في لبنان.
واتهم الحريري النظام السوري بالوقوف وراء اغتيال والده، لكنه اضطر بعد تسلمه رئاسة الحكومة في 2009 وتحت وطأة ضغوط سياسية إلى زيارة دمشق، قبل أن يعود إلى قطيعة معها، لا سيما منذ بدء النزاع في سوريا في 2011.
ترأس الحريري أول حكوماته بين 2009 و2011، وكانت تعد حكومة وحدة وطنية ضمت معظم الأطراف، وأسقطها حزب الله وحلفاؤه وبينهم الرئيس الحالي ميشال عون بسحب وزرائهم منها.
وجاء ذلك بعد أزمة سياسية طويلة على خلفية رفض حزب الله للمحكمة الدولية الخاصة بلبنان المكلفة النظر في اغتيال رفيق الحريري.
وقد دانت المحكمة في أغسطس 2020 أحد عناصر الحزب في القضية. وفي 3 نوفمبر 2016، تولى الحريري رئاسة الحكومة مجدداً بناء على تسوية جاءت بعون رئيساً للجمهورية بعد عامين ونصف من الفراغ الرئاسي.
وفي الانتخابات الأخيرة في 2018، تراجع حجم كتلة الحريري النيابية بنحو الثلث، وأعاد البعض انخفاض شعبيته إلى التنازلات السياسية التي قام بها، والتي يبرّرها هو بأنها كانت للحفاظ على السلم الأهلي في البلاد. وكرّست تلك الانتخابات نفوذ حزب الله وقوته.
وشكّل الحريري بعدها حكومته الثالثة التي أنهكتها الانقسامات، في ظل تنامي لنفوذ حزب الله مجددا. وينظر كثر إلى الحريري بوصفه رجل تسويات.
وقال هو عن نفسه أخيرا “بات معروفا عن سعد الحريري أن قلبه طيب أو أنه يتنازل دائماً “..” والآخرون يستغلون ذلك”.
اعتباراً من 17 أكتوبر 2019، شهد لبنان حراكاً شعبياً غير مسبوق ضد كل الطبقة السياسية في البلاد المتهمة بالعجز والفساد، واستقال الحريري في 29 من الشهر ذاته. بعد سنة من مراوحة الأزمة، أعلن الحريري في مقابلة تلفزيونية في الثامن من أكتوبر، أنه مرشح “حكماً” لرئاسة الحكومة بعد استقالة حكومة برئاسة حسان دياب، واعتذار مصطفى أديب عن تشكيل أخرى. وأقر الحريري بمسؤوليته كجزء من الطبقة السياسية، عما آل إليه الوضع.
وقال “الناس يقولون إن كل الأحزاب مسؤولة، بمن فيهم أنا. نعم نحن مسؤولون”. كما أعلن التزامه في حال تسلمه مجددا رئاسة الحكومة بمبادرة فرنسية لانتشال لبنان من أزمته الاقتصادية التي فاقمها انفجار مروع في مرفأ بيروت في 4 أغسطس.
وبدا أن عون كلفه تشكيل الحكومة على مضض، إذ إن تياره السياسي عارض تسمية الحريري، إلا أن هناك موافقة ضمنية واضحة من حزب الله، حليف رئيس الجمهورية.
– بداياته –
يحمل الحريري إجازة في الاقتصاد من جامعة جورج تاون في واشنطن. متزوج من لارا بشير العظم التي تنتمي إلى عائلة سورية عريقة شاركت في السلطة في سوريا خلال الخمسينات. ولديهما ثلاثة أولاد.
ويروي مقربون منه أنّه يهوى القيام بتمارين رياضية منتظمة والطبخ، ويعدّ الطعام أحياناً لأصدقائه.
وكانت فوربز تقّدر ثروته بـ1,5 مليار دولار، لكنّه خسر الكثير خلال السنوات الماضية، وقال الشهر الحالي “لم يعد لدي ولا أي مليار، بل أقل بكثير”.
وأمام الحريري اليوم طريق طويل وصعب، في ظل إصراره على تشكيل حكومة لستة أشهر تضمّ مستقلين عن الأحزاب، بينما الصراعات السياسية على النفوذ على حالها.