الجزائر تسعى للإبقاء على دورها الريادي في حل أزمة مالي

تسعى الجزائر إلى البقاء كدولة رائدة وأن تفرض نفسها كفاعل أساسي في أزمة الجار الجنوبي مالي الذي تعتبره عمقها الاستراتيجي، لكن تحقيق ذلك في الواقع ليس بالأمر السهل، كما يرى محللون.

ومنذ الإطاحة برئيس مالي إبراهيم بوبكر كايتا منتصف أغسطس، لم تتوقف الدبلوماسية الجزائرية عن التحرك من خلال زيارتين قام بهما وزير الخارجية صبري بوقدوم لباماكو. ففي زيارته الأخيرة نهاية أغسطس، قال إن “مالي بلد في غاية الأهمية بالنسبة للجزائر وكل ما يعني هذا البلد الجار يعنينا أيضا”. كما أن هذا الملف لا يغيب أبدا عن خطابات وتصريحات الرئيس عبد المجيد تبون الذي تطرق إلى “الوضع الحساس” في مالي بمناسبة خطابه الأخير أمام الجمعية العمومية للأمم المتحدة.

وخلال زيارته مؤخرا للجزائر أبرز وزير الدفاع الأميركي مارك إسبر “الدور الريادي الثابت للجزائر في مجال الأمن الإقليمي”.

وفي أعقاب انقلاب 18 أغسطس، دعت الجزائر التي تخشى مزيدا من زعزعة الاستقرار في جوارها الجنوبي، إلى انتخابات وإلى “احترام النظام الدستوري”. ثم صعّد الرئيس تبون اللهجة بتأكيده أن “حل الأزمة المالية سيكون جزائرياً بنسبة 90 بالمائة”، أما في شمال مالي المجاور للجزائر “فلا حل خارج اتفاق الجزائر” الذي أبرم في 2015 بين حكومة مالي والمجموعات المسلحة الموالية للحكومة والمتمردين الطوارق ضمن تنسيقية الحركات الأزوادية.

وانتقد تبون في هذه المناسبة مجموعة دول غرب إفريقيا التي فرضت عقوبات على مالي بعد انقلاب 18أغسطس وبدأت وساطة في الأزمة المالية “دون استشارة الجزائر”.

وقال “لم يستشيرونا ولم يتحدثوا معنا ونحن بدورنا لم ولن نستشيرهم ولن نُكلّمهم ” لأن” الامتداد الجغرافي لمالي هو الجزائر وليس دول بعيدة”.

ونقلت وسائل الإعلام الرسمية في الجزائر “بصفتها قائدا للوساطة الدولية في مالي” العديد من التصريحات عن مسؤولين وفاعلين في مالي تؤيد الموقف الجزائري أبرزها تصريح الإمام محمود ديكو الشخصية المركزية في الأزمة السياسية.

ونقلت الإذاعة الجزائرية عن قائد الحركة الاحتجاجية التي أدت إلى الإطاحة بكيتا قوله “موقف الجزائر مشرف و محترم منذ بداية هذه الأزمة التي تمر بها مالي إلى يومنا هذا “..” ودور الجزائر أساسي في تطبيق بنود اتفاق الجزائر للسلم و المصالحة الوطنية “. وتلقى الجزائر دعم الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيرش، الذي دعا السلطات الانتقالية في مالي إلى استئناف تطبيق اتفاق السلام الموقع عام 2015، الضروري لاستقرار البلد”.

وقال الخبير الأمني أحمد كروش إن من الطبيعي أن تولي الجزائر أهمية خاصة لملف مالي “باعتبار أن دولة مالي تدخل في المجال الحيوي والاستراتيجي للجزائر”.

وتابع في تصريح لوكالة فرنس برس “كما تعتبر الجزائر أن أمن مالي هو من أمن الجزائر، لأن النزاعات المتكررة والهشاشة الأمنية وضعف الدولة في مالي يؤثر على الجزائر بشكل مباشر وحادثة تقنتورين “الهجوم على مجمع غازي الذي أسفر عن مقتل 40 رهينة من عشر جنسيات” شاهد على ذلك حيث كان انطلاق الجماعة التي نفذت الهجوم من مالي ومرورا بالنيجر وليبيا وهي كلها دول تعاني هشاشة أمنية”.

وكذلك اعتبرت أستاذة العلوم السياسية بجامعة الجزائر، لويزة آيت حمادوش، أن دور الجزائر في مالي يجد مبرراته “بالنظر إلى المعطيات التاريخية والاقتصادية والجغرافية والديمغرافية” بل “إن الجزائر في حاجة إلى لعب هذا الدور ولديها القدرة على ذلك”. “لكن عندما نأتي إلى التحليل من الناحية الواقعية، من الصعب جدا لعب هذا الدور بسبب النقائص الداخلية” كما قالت المحلّلة السياسية.

وأوضحت أن الجزائر نفسها تعاني “من اقتصاد غير منتج ووضع سياسي غير مستقر وجيش قوي لكنه غير مؤهل لإرسال قواته إلى الخارج”. لكن السياسة الدفاعية الجزائرية قد تتغير قريبا من خلال مادة جديدة في الدستور المنتظر التصويت عليه في الأول من نوفمبر، تنص على مشاركة الجيش الجزائري في مهمات حفظ السلام في إطار الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي والجامعة العربية.

وهو تغيير ارتاحت له الولايات المتحدة الأميركية كما بدا من زيارة وزير الدفاع مارك إسبر للجزائر الأسبوع الماضي، حيث أشار إلى “الدور الريادي الثابت للجزائر في مجال الأمن الإقليمي”.

وبدأت مالي مرحلة انتقالية مدتها 18 شهرا لطي فترة حكم إبراهيم كيتا، بقيادة الرئيس الانتقالي باه نداو الذي عيّن بدوره وزير الخارجية السابق مختار عون رئيساً جديداً للوزراء. لكن أحمد كروش حذر من أن “خطر طول المرحلة الانتقالية “بسبب” كثرة التدخلات الأجنبية وعدم القبول من بعض الفئات في الداخل “..” ينتج الفوضى والصراعات الداخلية لا محالة”.