كيد الإخوة

في أعقاب ردود الفعل الكبيرة التي حظي بها مسلسل (البرنس) الذي عرضته محطة ال MBC خلال شهر رمضان المبارك، قادتني الصدفة -والصدفة وحدها- للاستماع إلى أحد الأفاضل وهو يروي بمرارة قصته مع أشقائه، ما جعل من قصة البرنس تبدو وكأنها نقطة في بحر أمام ما تعرّض له ذلك الرجل العصامي في حكايته المريرة مع إخوانه، والتي تعيد للأذهان مجددا كيد الإخوة، والذي تجلى في قصة سيدنا يوسف عليه السلام مع إخوته.
يقول الرجل وهو يتحدث بحرقة وبألم: كنا ثلاثة أشقاء، وكنت أوسطهم، وكنا نعيش خارج المملكة في إحدى الدول العربية مع بقية أفراد الأسرة، وحين قررتُ العودة إلى بلادي وجدت ولله الحمد كل الترحيب من المسؤولين ومن المواطنين على حد سواء، وتمكنتُ بفضل الله وعبر السمعة الطيبة والسيرة الحسنة والإخلاص والتفاني من بناء عديد من الأعمال التجارية الناجحة، مما شجعني أكثر وأكثر على المساهمة في الأعمال الخيرية والإنسانية لرد دين هذا الوطن المعطاء، ونتيجة لتوسع أعمالي وزيادة حجم مسؤولياتي كان من الطبيعي أن أستعين بأقرب الناس إلي وهم إخوتي الأشقاء، فاستدعيت أخي الأصغر بالتحديد وقدمت له كل التسهيلات التي تمكنه من المشاركة معي في إنجاح أعمالنا، وكان لا يزال على مقاعد الدراسة حينها، فقدّرت أن من واجبي أولا أن أشجعه على إكمال دراسته بعد أن وجهته للقسم العلمي، والوقوف معه في الجامعة، ومن ثم تطوير مهاراته وخبراته، فضلا عن إرساله كل عام لأوروبا للترفيه وليكون مستعدا لمساعدتي في إدارة أعمالي والتي تطورت إلى أن أصبحت عبارة عن مؤسسة، إلى أن تخرج لأدخله بعد ذلك شريكًا معي في إدارة أعمالي، وكنت قد أمّنتُ له كل سبل العيش الكريم ، في الوقت الذي كنت فيه أقدم المساعدة المادية والمعنوية لشقيقي الأكبر من حين لآخر ، وصولا إلى مساعدة ابنه عبر تحمل بعض مصاريف دراسته في لندن ، وكانت أعمالي خلال هذه الفترة تزداد تطورا ومن نجاح إلى نجاح ولله الحمد ، فيما كنتُ أجني على الصعيد الشخصي الكثير من الاحترام من الجميع نتيجة الصدق في العمل ومخافة الله فيما بين أيدينا من الأعمال ، وقد كانت حياتنا إلى هذه المرحلة كأشقاء في ظاهرها مضرب المثل في التعاضد والتكاتف ، حتى أن الكثيرين كانوا يحسدوننا على حميمية علاقتنا ببعض ، رغم أني كنتُ أسمع من الناس من حين لآخر من يلمز في أشقائي ، لكني لم أكن مستعدا لسماع أي شيء يجرح كرامتهم أو مكانتهم في قلبي ، فضلا عن أن أصدّق ما يُقال عنهم ، متوهما أن الأخ يستحيل أن يخون أخاه .
إلا أنه وبمرور الوقت ، وتقادم السنين ، تأبى الحقائق إلا أن تكشف نفسها ، ويبدأ ما كان يتم في الخفاء يطفو على السطح ، فهذا شقيقي الأكبر يحيك لي المؤامرة تلو الأخرى لتشويه سمعتي، وكأن تلك النجاحات التي حققتها لهم ، كانت لعنة عليّ ، حيث اتفق الاثنان بعدما اتحدتْ غايتهما على النيل مني ، دون أن أعرف السبب ، والذي يبدو أنه لا دافع له سوى الغيرة مما تحقق لي من خلال علاقاتي مع الناس ، وما أحظى به من احترام بفضل الله في مختلف الأوساط ، لأتعرّض بعد كل ذلك و خلال إجازتي في إحدى الدول العربية إلى حادث مروري شنيع ، كاد أن يودي بحياتي لولا رحمة الله ، ولأكتشف للأسف أنه حادث مدبر بالاتفاق مع السائق الذي كان يعمل معي ، وقد قال لي الطبيب المعالج وهو بروفيسور مشهور في بلاده أن نسبة شفائي من ذلك الحادث كانت 1% فقط . حيث نجم عنه كسور مضاعفة في الرجل اليسرى ، وتقطع كل أوتار أربطة الكتف لليد اليمنى ، مع كسور في عظام الجمجمة ، وكسر في الأنف . وقد أثبتتْ التحقيقات في البلد الذي كنت فيه ـ والحديث لا يزال له ـ تورط السائق في الحادثة ، وإخراجه من التوقيف بكفالة مدفوعة من جهة مشبوهة .
ويواصل الرجل حديثه المرير فيقول : إنه كان قد فوّض شقيقه في بادئ الأمر للتوقيع عنه على كافة التعاملات المالية ، بحكم الثقة بأنه شقيقه وأن المصلحة مشتركة ، حيث استغل الأخ الأصغر هذه الثقة ، وبدأ بعد أن أحاط نفسه ببعض المنتفعين والوصوليين وربما حتى المشعوذين الذين تمكنوا من الضحك عليه ، واستغلاله ، وتحريضه عليّ ، ودفعه في الاتجاه الآخر في إنفاق أموال الشركة على ملذاته ونزواته ومصالحه الخاصة دون علم الرجل الذي كان لا يمكن أن يسمح لنفسه بأن يشك بشقيقه إطلاقًا ، قبل أن تستفحل الأمور ، ويبدأ الاستنزاف لموارد الشركة يأخذ شكل الفضيحة ، حيث كان يستغل سفر الرجل للخارج للعبث بأموال الشركة ، وطرد من لا يستجيب لألاعيبه من المديرين الماليين ، وتعيين بدلاء منهم يوافقون مآربه ، بعد أن يوهمني بأنهم لم يحترموه ، وبدت المسائل تأخذ منعطفا خطيرا بات يهدد وضع الشركة المالي بالإفلاس ، ويضيف قائلًا إن الخاتمة كانت عندما اكتشفتٌ أنه قد أسس شركة خاصة سرا ودون علمي ، حيث يملك هو ما يزيد عن 80% من رأسمالها ، ويرأس مجلس إدارتها ، وبنفس تخصص شركتنا ، خرقا للنظام الذي يمنع العمل لشخص واحد في شركتين متنافستين ، و كان يسطو على المعلومات من شركتنا بنفسه أو من خلال إغراء بعض الموظفين من ضعاف النفوس ورشوتهم بالمال ليضمن حصول شركته السرية على العقود والتعهدات ، وقد كنت أوقع على كل ما يطلبه مني عن طيب خاطر ، وبثقة مطلقة طوال تلك السنوات ، اعتقادا مني أن الإنسان لا يمكن أن يعض اليد التي امتدتْ له بالخير ، فضلًا عن أن يكون هذا الإنسان شقيقك ، وابن أمك وأبيك ، وقد مضى على هذا الحال ما يزيد على أربع سنوات بعد أن تكشفتْ الحقائق أمامي كنور الشمس . حيث كشفت المراجعات فقدان أرباح أكثر من عشرين سنة ، مع وجود ملابسات مريبة في صرف بعض الأموال ، والتي كانت كلها تصب في صالحه ، وصولاً إلى دخوله أخيرًا في عمل تجاري مريب حقق من ورائه أرباحا خيالية على حساب المصلحة العامة التي لا تعني له شيئا .
ويختم الرجل حديثه المؤلم بالقول : هذه ليست هي كل القصة ، فهنالك الكثير من التفاصيل المؤلمة والملابسات التي سأتركها لقادم الأيام ، وأضاف : إنه لم يرو بعض ما جرى معه إلا من باب الاعتبار ، حتى لا يتوهّم البعض أن مثل ما جاء في ذلك المسلسل الذي أشار إليه مجرد حكاية تلفزيونية ، لأن الحياة مثلما هي عامرة بالخير وأهله ، فهي أيضًا مليئة بالكيد والحسد والغيرة حتى من أقرب الأقربين .
علي الغشم